للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) الاستثناء منقطع بمعنى لكن، وفيه بيان نفع الإيمان، والمعنى ألَا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها، لكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي، وجوَّز النحويون أن يكون الاستثناء متصلا، لأن كلمة (لولا) حرف امتناع تدل في مضمونها على النفي فيكون المضمون - ما قرية آمنت فنفعها إيمانها، إلا قوم يونس فإنهم آمنوا وقت السعة والاختيار فنفعهم إيمانهم، وذلك كقوله تعالى: (لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ) أي حين آمنوا مختارين أزلنا عنهم، وعبر بكلمة (كَشَفْنَا) إشارة إلى أن الخزي غمة وهلاك فإزالته كشف للغمة ومنع لها، وأبقيناهم ممتعين مرفهين في الحلال إلى حين قضاء أجلهم. وقد روي أن يونس - عليه السلام - قد بعث نبيا في مدينة " نينوى " من الموصل وكانت مدينة عظيمة، وقصة الآشوريين في حكمهم - وهي مدينة قديمة دأب أهلها على تحصينها، وقويت شوكة حكامها حتى خضع لهم الكثير من ممالك آسيا، والملك الواسع يوصي بالتجبر كما كان من آل فرعون، وقد أغار قوم يونس كثيرا على من جاورهم، وكلما أغاروا أكثروا الفساد وسلبوا ونهبوا وارتكبوا الكثير من المظالم، أنذرهم يونس بالعذاب ينزل بهم لا محالة، وهم يعلمونه صادقا أمينا فيهم فلم يعبأوا ابتداء، ويروى أنه أخبرهم أن العذاب نازل بهم بعد أربعين ليلة فقالوا في أنفسهم لو بقي فينا فنحن في أمن وإن غادرنا لَا نكون آمنين، لكنه غاب عنهم فقذف الله في قلوبهم الرعب وفي قلب أميرهم الإيمان، ورأوا مقدمات العذاب تقترب منهم وتغشاهم وغامت السماء غيما أسود، فآمنوا واستغفروا وأنابوا إلى ربهم.

وإن هذا المثل يضرب بعد فرعون الذي آمن بعد فوات الأوان، وهو مثل لإدراك قوم يونس بعد أن غشيهم ما جعلهم يتوقعون ما أنذروا به فسارعوا بالنجاة وأزالوا آثار ما اقترفوا.

(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>