للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والملة هي الشريعة، وقد قال الراغب في مفرداته: (الملة كالدين وهي اسم لما شرعه الله تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوسلوا به إلى جوار الله تعالى، والفرق بينها وبين الدين أن الملة لَا تضاف إلا إلى النبي عليه السلام التي تسند إليه نحو (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ. . .)، (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي. . .)، ولا تكاد توجد مضافة إلى الله، ولا إلى آحاد أمة النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . لَا يقال: ملة الله، ولا يقال: ملتي، ولا: ملته).

وعلى ذلك يكون: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) أي الملة التي جاءتهم عن أحبارهم ورهبانهم، وإن ملة اليهود، ومثلها ملة النصارى أوهام أوجدتها شهوات حبيسة، فملة اليهود أهواء وملة النصارى أوهام وأهواء، وكلهم ضلال في ضلال.

ولذا قال تعالى: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) أكد الله سبحانه وتعالى نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - باللام الدالة على القسم مع إن، وهما أشد ألفاظ التوكيد في بيان عاقبة الاتباع، وأنه إذا كان الاتباع المنهي عنه نهيا مؤكدا، فالعاقبة ألا يكون لمن اتبع أهواءه إلا أن ينزل عليه عقاب الله تعالى، ولا يكون له ولي محب يدفع عنه، ولا نصير ينصره من غير الله.

فمعنى النص السامي أنك أيها الرسول إن اتبعت أهواءهم فإنه من المؤكد أن العذاب نازل، ولا ينجيك منه ولي ولا نصير.

وهنا ملاحظتان بيانيتان: أولاهما - أن تحذير النبي - صلى الله عليه وسلم - لَا يقصد به شخصه أولا وبالذات، إنما يقصد به أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن عليهم أن يحرصوا على مجانبتهم، وألا يغتروا بهم، وإنه في وقت ضعف النفوس المؤمنة يكون كيد هؤلاء مستمرا، دائمًا ومذهبا يصلون به إلى قلوب ضعاف الإيمان، فقد يميلون - وإن لم يكفروا - فيستحسنوا ما عندهم، وإنا نرى من ضعفاء الإيمان في عصرنا من يستحسنون كل ما عند النصارى واليهود، فإذا ذكرت أحوالهم استحسنوها، وإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>