للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالرزق وإمساكه لملكوته كله. والأيام الستة ليست هي أيامنا فلا يقال ابتدأ بالأحد وانتهى بالجمعة؛ لأن أيامنا نشأت بعد خلق السماوات وألارض، وارتباط الأرض بالشمس والقمر والنسبة بينهما وكل يدور في فلكه، والشمس والقمر بحسبان.

إنما يراد بالستة أيام الأدوار الكونية، وقد أشار اللَّه تعالى إلى هذه الأدوار فيِ سورة فصلت: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢).

فالأيام هي أدوار الخلق والتكوين كما تشير الآيات.

(وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) يصح أن نقول - واللَّه سبحانه أعلم يمراده - إن العرش كناية عن السلطان الكامل، وفي ذلك تصوير لتدبير ملكه وخلقه في أرزاقهم وأقواتهم وبقائهم والتماسك بين أجزاء السماء والأرض وكيف ينزل الغيث ومنبت الأرض بعد موتها وكيف يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وكيف يحفظ الوجود كله وهو الحي القيوم الذي لَا تأخذه سنة ولا نوم. وهذا قد يكون معنى العرش فيما أحسب، والله لَا إله إلا هو وحده عنده العلم الكامل.

وذكر سبحانه أنه على الماء للإشارة إلى أنه سبحانه هو الذي يدبر أمر الأحياء كلها، وأن رزق الذي يسبح في الماء في كفالة اللَّه كرزق الذي يدب على الأرض.

ثم يقول سبحانه: (لِيبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ) أي ليعاملهم معاملة المختبر، إذ إن لهم إرادة تتجه إلى الخير وتتجه إلى الشر، وهو سبحانه خلقكم ومكَّن لكم في الأرزاق والأقوات والاستقرار في الأرض، ليظهر المؤمن فيشكر ويظهر الكافر فيكفر، و (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) فيها (أَحْسَنُ) بمعنى أخلص والمخلص الذي بلغ إخلاصه أعلى الدرجات.

<<  <  ج: ص:  >  >>