(بيِنةٍ مِن رَّبِهِ) بالتعدية بـ (على) للدلالة على تمكنه من المعرفة، وأنها ليست وهما يتوهم ولا ظنا يظن بل عقيدة متمكنة.
ذكر اللَّه تعالى بعد البينة أن لها شاهدًا من اللَّه تعالى:(وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)، أي يجيء شاهدا من اللَّه، فالضمير الأول في (يَتْلُوهُ) يعود إلى البينة، وعاد مذكرا لأن البينة البرهان القاطع الحاسم الذي تهدي إليه الفطرة، فعاد الضمير مذكرا للإشارة إلى أنها برهان بين واضح الدلالة على الوحدانية. والضمير الثاني في قوله (شَاهِدٌ) يعود على اللَّه ربك، أي أنه هداك وأيدك، والشاهد هو القرآن الكريم النازل من لدن عزيز حكيم.
وإن القرآن الكريم جاء مع البينة، وقلنا إنها الإسلام، فكيف يقال إنه وليها ونقول في ذلك إن الإسلام يكون دفعة واحدة، لأن لبه شهادة أن لَا إله إلا اللَّه وأن محمدا رسول اللَّه، والقرآن نزل منجما فهو كان يتلى بعده لَا قبله، وإن قلنا إن البينة هي برهان العقل المدرك فالقرآن جاء واليا، جاء به الحق.
وقد نقول وبحق نقول: إن القرآن جاء مع البينة مؤيدا لها، والتعبير بأنه تلاها للإشارة إلى التلاوة فيه وهي الترتيل، كما قال تعالى:(. . . وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)، وكما قال سبحانه:(. . . وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ. . .)، وللإشارة إلى أنه هناك مراتب في الإدراك، فالأولى أن تجيء البينة، والمرتبة الثانية هي التأييد من اللَّه بالقرآن ولا تراخ بين الرتبتين بل هما متصاحبتان، كما تقول: فَكِّر ثم اقرأ، أي اقرأ قراءة متفكر متدبر، وكأن القرآن شاهد؛ لأنه ببلاغته، وفصاحة كلمه، وعمق معانيه مع وضوحها، وعلمه وقصصه الحكيم كان المعجزة الخالدة، فهو شاهد دائم ناطق بالحق إلى يوم القيامة، وفيه الدلالة الواضحة على رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم الدين.
ثم أشار سبحانه إلى تصديقه للكتب السابقة وبشارتها به فقال تعالى:(وَمِن قَبلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً)، فدلت هذه العباره على أمرين.