للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهكذا نجد الزمخشري اللغوي البليغ يرد أصل الاستعمال القرآن إلى معناه السليم الدقيق العميق، وإن الكلام الكريم فوق كل كلام.

وخلاصة ما يرمى إليه النص أن الأمم إنما تسير في طريق الهلاك، إذا سكت عقلاؤها عن النطق بالحق في إبانه، فما كفر مشركو قريش إلا لأنه لم يكن من رشدائهم من يقاوم أمثال أبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم في طغيانهم وظلمهم.

ولذا قال تعالى في عمل أولي البقية لو صلحوا: (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) من فشو الأراذل، كما فشا في قوم لوط، ومن تطفيف الكيل والميزان كما فشا في قوم شعيب، ومن الشرك فيهم جميعا، حتى لقد كانوا يعبدون الأحجار ولا يوجد فيهم من يبين أنها لَا تضر ولا تنفع، ولما جاءهم الرسل، سَكت أولو البقية، ولم يرشدوا، ولم ينادوا بالحق، منكر، نسكت من يُنتظر منهم قول فاضل، وتكلم المستهزءون من الحق والساخرون.

وقال تعالى: (إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ) (من) الأولى بيانية، و (من) في (مِنْهُمْ) تبعيضية، والاستثناء قال المفسرون البلاغيون: إن الاستثناء منقطع بمعنى لكن، أي لكن قليلا منهم ممن أنجيناهم منهم قد استقاموا على الطريقة، واتبعوا سبيل الرشاد.

ولا مانع أن يكون الاستثناء متصلا غير منقطع، ويكون المعنى فلولا كان من القرون أولو بقية، أي ما كان من القرون قبلكم أولو فضل إلا الذين قليلا أنجيناهم منهم، ويكون في النص قصر الفضل على الذين اتبعوا الأنبياء، وأرى أن هذا أقرب، وعليه يكون الذين بعث فيهم النبيون قسم تبعهم، وأنجاهم اللَّه، وهم عدد قليل، وقسم عصوا ربهم، وهم الظالمون، وقد بين سبحانه أمرهم فقال عز من قأل: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>