للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهكذا كانت هذه الآيات الكريمات وغيرها تحمل الدلالات القاطعة التي ترد إنكارهم.

وقوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) ليس من أرسلناهم من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم أي أنهم ليسوا ملائكة، ولكن اتصالهم باللَّه تعالى بطريق الوحي يوحي إليهم سبحانه وتعالى بأوامره ونواهيه، وبعبادته وحده لَا شريك له، وقوله تعالى: (مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى) أي أن هؤلاء الرسل من أهل القرى، والقرى هي المدن العظيمة، وفي هذا بيان أمرين أحدهما: أن الرسول يكون من أهل المدن العظيمة، وثانيهما أنه يكون من قومه، عرفوه من أوسطهم، وأكثرهم أمانة وصدقا، كما قال تعالى في شأن النبي محمد صلى اللَّه تعالى عليه وسلم (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ منْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رحِيمٌ).

وكان رسل اللَّه من أهل المدن يبعثون فيها، ليكون الرسول على علم بأحوال الناس، وليكون معروفا بينهم مشهورا غير مغمور، يكون ذا مكانة من غير غطرسة فيهم، قبل النبوة، فتكون شهادة له بالصدق بعدها.

وقد بين اللَّه تعالى هذه الحقيقة، وهي أن الرسل من الناس، وليسوا ملائكة، وأنها معروفة بالعيان لمن سار في الأرض، وتعرف ديار الذين كفروا بالرسل، فقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) هذا النص السامي فيه برهان أن الرسل كانوا رجالا، وفيه إنذار لمشركي العرب بالمآل الذي يئولون إليه إذا استمروا على غيهم، وإنه إنذار يحمل في نفسه دليله، وبرهانه من الآثار والرسوم للذين هلكوا بسبب إنكارهم وكفرهم، وانتحالهم التعلات للعناد والإنكار.

وقوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيروا) (الفاء) لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهي مؤخرة عن تقديم للاستفهام؛ لأن الاستفهام له الصدارة في البيان، والاستفهام

<<  <  ج: ص:  >  >>