للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استيئس الرسل اعتراهم اليأس الشديد، واستولى على نفوسهم كأنهم طلبوه، وما طلبوه، وصارت حالهم يأسا، وصور صورة من يأسهم، فقال، (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) جال في روعهم أنهم كذبوا، ولم يعد مجال للإيمان أو النصر، وهنا قراءتان في (كُذِبوا) القراءة الأولى بالتخفيف والبناء للمجهول، وهي قراءة الأكثرين، والثانية بتشديد (الذال) للبناء للمجهول أيضا، وهي قراءة أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها وأرضاها، وطائفة من القراء بعدها (١).

والمعنى على قراءة التخفيف كما جاء في مفردات الراغب الأصفهاني علموا أنهم تُلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب، أي ظنوا أن الذين تَلَقَّوا عنهم أخبار الإنذار يظنون الكذب فيهم، وإليك نص عبارة الراغب رضي اللَّه عنه: قوله تعالى: (حَتَّى إذَا اسْتَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَد كُذِبُوا) أي علموا أنهم تُلُقُّوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب، فكذبوا نحو فسقوا، وزنوا - إذا نُسبوا إلى شيء من ذلك، والمعنى على هذا ظنوا أنه وقع في نفوس من يخاطبون كذب ما أنذروا.

أي أنه قد طال الأمد الذي أجلوه، حتى توهم الرسل أن الذين يخاطبونهم من المشركين قد وقع في نفوسهم كذب الرسل، واتخذوا من المطاولة في الزمن، أنهم كاذبون في إنذارهم، واتخذوا من طول الزمن دليلا على كذبهم. وعلى قراءة التشديد يكون المعنى أن الرسل قد استيئسوا حتى ظنوا أي علموا أنهم كذبوا فيئسوا من إيمانٍ غير من آمنوا، كما قال اللَّه تعالى: (. . . لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ. . .).

والظن هنا بمعنى العلم، أو بمعنى ما يعرض للبشر عند اليأس من خواطر تجعلهم يظنون في أمر المبعوث إليهم، ولننقل لك كلام الزمخشري في هذا، فهو يدل على نفاذ بصيرة في معاني العبارتين ومراميها من غير تهجم، ولا تقحُّم على


(١) قراءة (كذبُوا) بالتخفيف عاصم وحمزة والكسائي وخلف)، ويزيد (أبو جعفر)، وقرأ الباقون بتشديد الذال. غاية الاخصار ج ٢/ ٥٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>