للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وسابعها: التأني للأمور، وقد رأينا كيف أخذ الثقة في لين، ومن غير إعنات من العزيز، ظهر ذلك فيمن هو أعلى منصبا منه، وظهر في صغائر الأمور، كما رأيت في استبقائه أخاه من غير اقتتال، بل بوضعه السقاية في رحل أخيه من غير اتهام لشخصه، ثم أخذ الحكم من ألسنتهم، ونفذه بقولهم.

ثم من بعد ذلك أخذ الأمور بالتأني، حتى التقى بأبيه على مائدة الرحمة والمودة والإيثار، وقد قتل الحقد بالعفو، والغيرة بالمحبة، والضلال بالهداية.

وفي السورة عبر كثيرة، وقد ذكرنا بعضا منها في أول السورة في معاني قوله تعالى: (لقد كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوتِه آياتٌ للسَّائِلِين).

وقلنا: إن قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ في قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ) الضمير يعود إلى الأنبياء، وخصصنا نحن قصة يوسف ببعض ما يلوح منها من عبر، والعبرة والاعتبار الحال التي يعرف فيها، ما يجب عمله في الحاضر بالأخذ مما كان في الماضي بأن يتفكر ويتدبر ما كان في الماضي من وقائع، ويعلم أنه نور يضيء للحاضر، فالإنسان ابن الإنسان يتشابه في آثامه، ويتشابه في عواقبها ونهايتها، فذكر هذه الآرام لجماعة أو قبيل، وبيان العواقب بيان للعواقب في كل جيل لمن يقع فيها من أهل هذا الجيل الذي خلف الأول، ولذا كان في قصص الرسل إنذار للمشركين وتسلية للنبي والمؤمنين بأن نصر اللَّه آت، وكل آت قريب مهما يتأخر الزمان.

ويقيد سبحانه وتعالى المعتبرين بأن يكونوا من ذوي الألباب أي العقول التي تذهب في إدراكها إلى لب الأمور وحقائقها، ويتدبرون مباديها، ونهاياتها، ويبين اللَّه سبحانه أنه لم يكن حديثا يفترى ويخترع كأساطير الأولين (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى) كمما قال الأفاكون أنها (. . . أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، والتنكير في - حديثا - لعموم النفي أي ما كان (حَدِيثًا) أي حديث يفترى ويخترع اختراعا لمجرد التسلية وتزجيه الفراغ،

<<  <  ج: ص:  >  >>