للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاتجاه الثاني: أن النفي واقع على الرؤية، وعلى هذا يكون هناك عمد، ولكن لَا ترى، فاللَّه سبحانه وتعالى قد أوجد تماسكا بين السماء والأرض بالجاذبية، وكأنها عمد ولكنها لَا ترى، وبهذه الجاذبية، وهذه الجاذبية كأنها العمد التي لَا ترى. والاتجاهان يحتملهما اللفظ، وهما صادقان، وأميل إلى الاتجاه الثاني، ورجح ابن كثير الاتجاه الأول، وكلاهما فيه قدرة اللَّه تعالى الجلية واضحة، والعمد (بفتح العين وضمها) جمع عماد أو عمود، وهي الأسطوانة التي يقام عليها السقف المرفوع.

(ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) (ثُمَّ) هنا لبيان مراتب الخلق في ستة أيام، أي أدوار كما مضى القول في ذلك في سورة الأعراف، فإنه بعد أدوار الخلق التي تمت بإرادة اللَّه تعالى، والاستواء على العرش كمال سلطانه في الكون، كما يستوي الملك العادل على عرش ملكه، وللَّه المثل الأعلى، وما مثلنا إلا للتقريب، فلا مساواة، تعالى اللَّه عن ذلك علوا كبيرا.

(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) أي ذللهما في حركتهما وسيرهما في مداريهما، فكل له مدار، وكل له خواصه، فالشمس هذا الضياء المشرق الذي يملأ الوجود حرارة يكون بها الأحياء والأزهار والأشجار. والقمر يستمد نوره من ضوء الشمس، ولأشعته الصافية المستمدة يكون السير ليلا، ويؤثر في النفوس، وفي البحار بالجزر والمد، وفي الأحياء، فيكون الحمل والإرضاع تابعين لأدواره.

(كُلٌّ) في قوله تعالى: (كلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مسَمًّى) أي لأجل معين ينتهي عنده ذلك الأجل الذي حد له، وقد قال البيضاوي في ذلك عند قوله تعالى:

(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذللهما لما أراد منهما كالحركة المستمرة على حد من السرعة ينفع في حدوث الكائنات وبقائها. (كُل يَجْرِي لأَجَلٍ مسَمًّى) لمدة معينة يتم فيها أدواره، أو لغاية مضروبة دونها سيرها وهي: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (١) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (٢)(١)، أي أن الأجل المسمى يفسره بتفسيرين:


(١) تفسير البيضاوي: ج ١/ ٣١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>