للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السماء فتسيل منه أودية مختلفة تأتي بالزروع والثمار مناوبة، ولذا نكر أودية، وشبه الحق بالفلز الخالص، والزبد الذي يكون في حال جيشان الماء، ويكون من إيقاد النار على الفلز، أي شبه الباطل بهذا الزبد الذي لَا يبقى، بينما الماء والفلز الخالص يبقيان نافعين دائمي النفع ووجه الشبه بين الحق، والفلز والماء، أنها مفيدة دائما، وباقية لغذاء الإنسان، ومتاعه وحليه، وأنها جوهر صالح. ووجه الشبه بين الباطل والزبد، أولا: أنه لَا بقاء لهما، ثانيا: أنهما لَا حقيقة لهما، وثالثا: أن السلامة في الخالص منهما.

ويصح أن يكون التشبيه تشبيها تمثيليا، بأن يشبه حال الحق في بقائه ودوامه بالماء والجوهر الصافي من حيث النفع والبقاء والدوام، ويشبه حال الباطل من حيث إنه لَا حقيقة له، وإذا كانت له حقيقة فهو خبث تجب إزالته وتطهير الجسم النافع، شبه حال الباطل بالزبد الذي يكون من الماء، أو يكون من إيقاد الفلز في النار، لأنه لَا حقيقة لها، وإذا كانت لها حقيقة فهي خبث يجب زواله.

وقد قال تعالى: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ) كذلك يبين الله الحق والباطل فيشبه الحق بالماء والفلز ويشبه الباطل بالزبد، وقد بين سبحانه وجه الشبه، فقال: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) وقد ذكر في الأول المشبه به لتأكيد ذهاب الباطل، وفي الثاني ذكر المشبه وهو الحق لبيان بقائه ونفعه وثباته، وأن النهاية دائما له (لِيحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ. . .)، وقد ختم سبحانه وتعالى الآية الكريمة بقوله: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ).

والإشارة إلى بيان مثل الحق بالماء والفلز، ومثل الباطل بالزبد الذي لا يبقى، والمعنى كهذا المثل الذي بين الله تعالى به الحق والباطل يبين الأمثال المشابهة، ويبين المعاني الجلية، والحقائق الثابتة، ويهدي بها من يشاء من عباده.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>