للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كل ما ذكروه وطلبوه من آيات لولا أنه من طبيعة غير طبيعتها، ومنهاج غير منهاجها، وهو أبقى وأخلد، فما يطلبون هو حوادث تنقضي بانتهاء وقتها، أما القرآن فباق خالد إلى يوم الدين، يتحدى الأجيال كلها شامخًا عاليًا أن تأتي بمثله، كما تلونا من قبل: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨).

يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى)، أي لو ثبت أن قرأنًا يقرأ ويتلى سيرت به الجبال، فانتقلت من أماكنها، وانفسحت عن شعابها لتتسع رقعة للزرع والغراس، أو قطعت الأرض فتشققت - لا تكون منها بحار تجري فيها المياه، أو يكلم به الموتى بمعنى أنه يحييها، ثم يكلمها، وجواب الشرط محذوف يفهم من سياق القول، وهو لكان هذا القرآن، ولكن الكلام لَا يسير الجبال، ومع ذلك فهو أقوى تأثيرًا، وكان يمكن أن يؤثر في قلوب المشركين بأشد من ذلك، لولا أن عنادهم حجر قلوبهم، وكما قال سبحانه: (لَوْ أَنزَلنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. . .)، ولكن القلوب التي سكنها الشرك والكفر، وهي كالحجارة أو أشد قسوة، بل لله الأمر جميعا، الإضراب للانتقال بين هذا إلى بيان أن اختيار المعجزات من أمر الله، وله وحده كل الأمر. ويقول تعالى: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا)، فسر كثير من المفسرين أن ييئس هنا بمعنى لم يعلم، وساقوا شواهد من العربية للدلالة على ذلك، وفسرها الزمخشري بذلك، وبجواز أن تكون ييئس بمعنى اليأس، وهو اليأس من إيمان المشركين، ويزكي هذا قوله تعالى بعدها: (أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاس جَمِيعًا)، ولنترك الكلمة له فهو يقول رضي الله تعالى عنه: " ومعنى (أَفَلَمْ يَيْأَسِ) أفلم يعلم قيل هي لغة قوم من النخع، وقيل إنما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمينه معناه؛ لأن اليائس عن الشيء عالم بأنه لن يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمن

<<  <  ج: ص:  >  >>