للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنهم لَا ينظرون للأمر نظرة من يجد ولا يهزل، ويدل على سيطرة العبث العابث، واللهو الماجن على نفوسهم، وهذه حال تحير الداعي إلى الحق من أين يحملهم على أن ينظروا جادين غير عابثين، ولا مازحين.

ولقد أكد الله استهزاء السابقين برسلهم، باللام، وقد ساق الله تعالى ذلك لنبيه ليتسلى عن إعراضهم واستهزائهم ولئلا يذهب به اليأس من قومه، وألا يرجو الانتصار منهم، فقد استمر الاستهزاء وأملى لهم، أي أعطاهم ملاوة من الزمن، حتى ظنوا أنه لَا عاقبة مؤلمة تنتظرهم؛ ولذا قال تعالى:

(فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَروا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ).

أمليت كما ذكرنا أعطيتهم ملاوة من الزمن إمهالا لهم من غير إهمال لاستهزائهم، وسخريتهم من الحق، والفاء لبيان أن ما بعدها مسبب عما قبلها، والمعنى كان استهزاؤهم سببا للإملاء لهم، حتى يأخذهم، وهم لَا يتوقعون، مثل قوله تعالى: (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).

و (ثُمَّ) للدلالة على التراخي، أي أنه أمد لهم أمدا غير قصير، حتى ظنوا أنه لا مؤاخذة على ما يفعلون، وغرهم الغرور، وحسبوا أن الدنيا قد طابت لهم بحذافيرها، ثم إخذتهم، أي أشعرتهم بسلطاني، وأني أمهل ولا أهمل والأخذ كناية عن الإشعار بالسلطان؛ لأن الأخذ يتضمن أنهم صاروا غير خارجين عن سلطانه؛ لأن الأخذ أقصى ما يدل على التمكن، وأن يكونوا في قبضته يصرفهم كيف يشاء، وذكر الله تعالى عقاب فقال: (فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) ياء المتكلم محذوفة على وجود ما يدل عليها، والمحذوف مع وجود ما يدل عليه يكون كالمذكور، بل إن تقديره بجهله مذكور، لم يبين الله سبحانه وتعالى العقاب، ولكن أشار إليه إشارة تدل على هوله، وعلى أنه كان حاسما قاطعا فمن غرق، أو جعل الأرض سافلها، ومن ريح صرصر عاتية، ولقد قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>