للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء " (١).

وصبغة هنا منصوبة على الإغراء لفعل محذوف تقديره إلزم صبغة الله، فإنها إيمان القلوب، وزينة النفوس للمؤمنين؛ كما يتزين الجسم بزينة الثياب اللونة بأبهى الصباغ.

وإن التعبير عن الدين بأنه صبغة الله إشارة لما يفعله اليهود والنصارى من صبغ أولادهم باليهودية أو النصرانية بما يغمسونهم فيه بماء يسمى المعمودية.

فإذا كان هؤلاء يعملون تلك الأعمال حاسبين أنها تصبغهم بدينهم غير الحق الذي ارتضوا، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يجعل القلوب تتشرب حب الدين الحق، فلا تتحول ولا تتغير ولا تتبدل.

ولقد بين سبحانه وتعالى أن صبغة الإيمان الجامع الذي اختاره الله تعالى دينا للعالمين هي أحسن صبغة وأبهاها حسا ومعنى، وطهارة؛ ولذا قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً) أي لَا صبغة أفضل من صبغة الله تعالى؛ لأنها الحق والحق وحده زينة القلوب. وغيرها الباطل، وهو طمس للفطرة وفرق بين زين القلب وحسن الإيمان، والإشراق بنوره، وطمس النور منه وامتلائه بالظلمات.

وقد قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَق كَانَ لَهُ قَلْبٌ. . .)، من شأنه الإذعان للحق، والتمسك به، وقال هنا: (وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) فالقلوب قسمان: قلوب على الفطرة يدخلها نور الإيمان فيشرق فيها، وقلوب طمست عليها


(١) رواه أحمد عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أن رَسُولَ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَة، فَأبَوَاهُ يُهَودانه اوْ يُنَصرانِهِ اوْ يُمَجسانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً هًلْ تُحسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ " [مسند المكثَرين (٦٨٨٤)، َ وبنحوه في البخاري: الجنائز (١٢٧٠)، ومسلم: القدَر (٤٤٠٣)]. والجدعاء: مقطوعة الأنف أو الأذن أو غيره، ولفظ البخاري: عن أبي هُرَيْرَةَ - رَضي اللَّهُ عَنْه - كَانَ يُحَدثُ: قَالَ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم -: " مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَة فَأبَوَاهُ يُهَوِّدَاِنِهِ أوْ يُنَصرانه أوْ يُمَجسَانِه، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَة بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحسُّون فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ " ثُم يَقُولُ أبُو هُريْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: (فِطْرًتَ اللَّهِ التي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. . .].

<<  <  ج: ص:  >  >>