للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك محمد - صلى الله عليه وسلم -، قد بعث بلغة قومه الذين كانت دعوته الأولى بينهم وانبعث نورها منهم ولكنها كانت عامة، كما قال تعالى عن نبيه: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُول اللَّه إِلَيْكُمْ جَمِيعًا. . .)، وكما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنًّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا. . .)، وكما قال - صلى الله عليه وسلم -: " بعثت للأحمر والأسود " (١).

وكونه بلسان قومه لَا يفيد أنه كان للعرب خاصة، فذلك لما قصته الآيات القرآنية الصريحة والأحاديث النبوية الشريفة والوقائع التاريخية الصادقة، فإن دعوته دخل فيها صهيب الرومي، وبلال الحبشي، ثم سلمان الفارسي، وذكر - صلى الله عليه وسلم - أن هؤلاء يصورون أجناسهم في الدعوة المحمدية، ولم يلبث النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن عمَّت دعوته الجزيرة العربية أن بعث إلى هرقل ملك الروم، وإلى كسرى ملك الفرس، وإلى المقوقس عظيم القبط، يدعوهم إلى الإسلام، وهكذا.

إذن فالدعوة كانت للناس قاطبة، ولكنها ككل دعوة حق تبتدئ في أضيق دائرة، ثم تتسع شيئا فشيئًا حتى تصير نورا ساطعا يعم الأكوان، فابتدأت الدعوة في أسرة الرسول وأصدقائه ثم دعيت عشيرته، كما قال تعالى: (وَأَنذِرْ عَشِيرتَكَ الأَقْرَبِين)، ثم كان الصدع بالدعوة والجهر بها (فَاصْدَعْ بِمَا تؤْمَر وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ)، ثم كانت في القبائل العربية، ثم تجاوزت ربوع الصحراء العربية إلى أرض كسرى وقيصر وسارت إلى الحبشة بعد أن عمَّت ربوع اليمن.

وقوله تعالى في مقابل إرسال الرسول عن قومه: (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ).

ذكر سبحانه أن البيان الأول يكون لقومه، ثم يكون بعد ذلك لغيرهم.


(١) من حديث ابن عباس، أخرجه أحمد، ومن مسند بني هاشم - بداية مسند عبد اللَّه بن عباس (٢٦٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>