الصلاة، كما غذاه في بدنه وعموم أحواله، وحاجاته البدنية، فيطلب غذاءه الروحي بعد غذائه الجسدي.
ويقول - عليه السلام - مخاطبا ربه:(اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ)، أي صيرني وحولني ووجهني إلى أن أكون مقيم الصلاة، أي مؤديا لها أداء مقوما مستقيما كاملا، بأن تكون أركانها الحسية مستوفاة، ومنها الخشوع والخضوع المطلق، والصلاة رمز إلى القيام بحق الدين كاملا من غير التواء، ولم يكتف بالدعاء لنفسه بل أضاف إلى ذلك الدعاء لذريته، ولكن اللَّه تعالى أشار إلى أنه سيكون من ذريته من لَا يشكر اللَّه تعالى، ومن يعصيه، ولذا قال:(وَمِن ذُرِّيَّتِي)، و (مِن) هنا للتبعيض، أي اجعل من ذريتي مقيم الصلاة ليكون حبل العبادة متصلا إلى يوم القيامة لَا ينقطع التوحيد، وإقامة شعائره، بل تتصل إلى يوم القيامة، ومن ذريته قائمون على الحق يهتدون بهديه، ويسيرون في طريق الحق، وهو الطريق المستقيم.
(رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)(الواو) عاطفة على (اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ)، وجاء قوله:(رَبَّنَا) كالجملة تكون بين متلازمين، وهما هنا المعطوف والمعطوف عليه، وذكر (الدعاء) للضراعة والابتهال إلى اللَّه تعالى، وذكر بضمير المتكلم (رَبِّ)، والجمع (رَبَّنَا) للإشارة إلى أنه يتكلم عن نفسه، وعن الصالحين من ذريته، والدعاء هنا هو العبادة، إذ هي دعاء للَّه تعالى وضراعة إليه، ومن يدعون الأنداد إنما يعبدونها، وهي لَا تضر ولا تنفع، فهم بدعوتهم من دون اللَّه سبحانه وتعالى يعبدون ما لَا يضر ولا ينفع، ولقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" الدعاء مخ العبادة "(١) فالدعاء من العبادة، وهو ذاته عبادة.
وقال:(تَقَبَّلْ دُعَاءِ) والتقبل شدة القبول، وتقبل العبادة من اللَّه تعالى قبولها مع الرضوان، ومحبة القائم بها.