للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوسط " يطلق " بإطلاقين أحدهما الشيء المتوسط " أو الأمر المتوسط بين أمرين أو نحو ذلك مما يكون متوسطا، الثاني - الوسط بمعنى الخير، ومن ذلك قوله تعالى: (قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكمْ لَوْلا تُسَبحونَ)، أي: قال أعدلهم، ويقال وسط الوادي أي خير موضع فيه.

ولقد قال القائلون بالتفسير الثاني: إن الوسط كان خيرا، لأنه متوسط بين طرفين كلاهما إثم أو باطل، إذ الوسط مجانبة للغلو والتقصير، فاليهودية قصرت في حق الأنبياء، فقتلتهم، والنصرانية غلت في حق نبي فعبدته، فكان الوسط ألا يكون غلو ولا تقصير، بل تلق للرسالة، وإيمان بها، ولقد أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " خير الأمور أوسطها (١)؛ لأن الأوسط بعيد عن الغلو والتقصير ولقد أثر عن علي بن أبي طالب أنه قال: " عليكم بالنمط الأوسط فإليه ينزل العالي، وإليه يرتفع النازل ".

ولأن التوسط خير دائما، صار يطلق الوسط على الخير فيقال عن أفاضل الناس أوساطهم، وعن خيار الأمور أوسطها، وكل موضع فيه إصلاح أو صلح بين الناس يقال فيه وسط.

والنسبية في قوله تعالى: (وَكَذَلكَ جَعَلْنَاكُمْ) من المشابهة بين خيرية الكعبة وخيرية الأمة، والمعنى كما جعلنا لكَم الكعبة قبلة، وهي خير بقعة في الأرض جعلناكم أمة وسطا.

وقد فسر بعض العلماء الوسط هنا بالإطلاق الأول، وهو التوسط بين أمرين، ومعنى التوسط أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - فوق الأمم ودون الأنبياء، وهم على ذلك خير


(١) حديث: " خَيْرُ الأمُورِ أوْسَاطُهَا. رواه ابن السَّمعانيّ في (تاريخه)، من حديث عليّ بسند فيه من لَا يُعرف حالُه. وأخرجه ابن جرير في (تفسيره) من كلام مطرِّف بن عبد الله، ومن كلام يزيد بن مرَّة الجعفيّ. وروى أبو يعلى عن وهب بن منّبه قال: " إِنَّ لكُل شَىء طَرَفَيْنِ وَوَسَطا، فَماِذَا أمْسكَ أحَدُ الطَّرفَيْنِ مَالَ الآخَرُ، وَإِذَا أمْسِكَ الوَسَطُ اعتدَلَ الطَّرفَانِ. فَعَلًيْكُمْ بِالأوْسَاط مِنَ الأشياء ". [الدرر الَمنتثرة - ج ١ ص ٤١٥، وروى ابن ماجه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه قَالَ: كَان رَسُولُ الَلَّه - صلى الله عليه وسلم - إِذَا خًطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ وَاشْتَد غَضَبُهُ كَأنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشِ. . . إلي أن قال: وَيَقُولُ: " أمَّا بَعْدُ فَإنَّ خَيْرَ الأمُورِ كتَابُ اللَّه وَخَيْرُ الْهَدْي هَدْىُ مُحَمَّدِ وَشَرّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلّ بِدْعَةِ ضَلالَةٌ ". [المقدمة: اجتناب البدع والجدلَ (٤٤)].

<<  <  ج: ص:  >  >>