ذلك تقدم على الله في طلب شرعه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام فهم أن الاتجاه إلى بيت المقدس ليس دائما، وأنه سيعود إلى بيت الله الحرام، فهو إذا دعا بذلك وتلصرع إنما يستنجز وعد الله تعالى، ويرجو أن ينزل قرآن بذلك.
ولقد أجابه سبحانه إلى ما يرضيه ويرجوه فقال تعالى:(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) الفاء هنا تشير إلى أن ما قبلها سبب لما بعدها؛ أي أن الله تعالى استجاب لرجاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، ودعائه، وقوله:(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا) معناها لنمكن لك ونعطيك القبلة التي ترضاها، من قبيل وليت الأمير أي جعلته واليا، فالمعنى لنحطينك القبلة التي ترضاها، أو لنولين وجهك ناحية القبلة التي ترضاها.
وقد أكد الله تعالى إجابة مطلب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو دعائه ورجائه بالقسم المطوي في الكلام الذي دل عليه جواب المصدر بلام القسم، وتقدير القول: فوالذي يحلف به لَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، وهي الحق الذي قدره الله تعالى في علمه المكنون أن المسلمين على ملة إبراهيم عليه السلام، فلابد أن يتجهوا إلى بنيته.
وإن هذه الآية في معناها سابقة على قوله تعالى:(سَيَقول السُّفَهَاء. . .)؛ لأن تقدير قول السفهاء لَا يكون إلا بعد أن حولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، كما نص القرآن الكريم.
وقد بين سبحانه القبلة بقوله تعالى:(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) والفاء للتفريع عما قبلها، والوجه المراد به حقيقة الوجه؛ لأنه يتجه بوجهه نحو البيت الحرام، وقد يراد به الشخص كله]. ويكون الوجه المراد به الذات، والتعبير بالوجه غن الذات؛ لأنه الذي تكون به المواجهة، ولأنه أظهر جزء في جسم الإنسان.
والشطر الناحية والاتجاه، والنحو، ولقد جاء في تفسير أبي السعود العمادي: وقيل الشطر اسم لما ينفصل من الشيء، ودار شطر، إذا كانت منفصلة عن الدور، ثم استعمل لجانبيه وإن لم ينفصل.