للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ) قد يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حاضر في الأنفس وفي العقول فكأنه حضور عقلي لَا يقل عن العود على مذكور، لأنه مبشر به في كتبهم، معلوم عند أحبارهم، ومعنى (أَنَّهُ الْحَقُّ) أي أن ما جاء به هو الحق، فليس فيما أتي به الباطل.

ولعل ذلك قد يكون بعيدا من ناحية الصياغة البيانية، لَا من ناحية الحقائق المنزلة؛ ولذا نرجح أن الضمير يعود على التحويل أو التولي الذي رجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان يقلب وجهه رجاء أن ينزل به وحي الله تعالى، ورجحنا ذلك؛ لأنه في الموضوع، ولأن السياق البياني يتلاقى معه، ولأنه الجدير بأن يوصف بالمصدر وهو الحق، فالنبي عند الكلام في شأنه يقال إنه جاء بالحق أو الصدق، أو نحو هذا من البيان.

وإن ذلك هو الحق عندهم، فقد علموا مما عندهم من كتب أن النبي وجُدُودُه كانوا في " (اران)، وأن (فاران) هي بيت عبادة أولاد إسماعيل، و (فاران) هي مكة وما حولها.

وأكد الله تعالى علمهم بالحق فقال: (أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) فأكد سبحانه كونه الحق بأن المؤكدة، وبالقصر بتعريف الطرفين، فهو الحق، ولا حق سواه، ثم إنه وصفه بأنه من عند ربهم الذي خلقهم ورباهم، وخلق الأرض كلها، وله مشارق الأرض ومغاربها، فهو أعلم حيث تكون القبلة التي يختارها كما أنه أعلم حيث يجعل رسالته.

ثم بين ما يعقب أقوالهم وإثارتهم للريب، فقال تعالت كلماته: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِل عَمَّا يَعْمَلُونَ) أي أن الله تعالى عليم بهم علم من لَا يغفل عن أفعالهم من بث للشك، وغمز من القول، ومنهم ساخر بأعمال الرسول - صلى الله عليه وسلم - التي هي من عند ربه، فهم مراقبون في أعمالهم، وذنوبهم وآثامهم لَا تخفى عليه، و " هو آخذهم بها يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>