للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أكد الله تعالى القبلة إلى البيت الحرام، فقال: (وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ) والضمير يعود على تولية الوجه، وقد أثبت الله تعالى بهذا أنه الحق، وأكده بإن واللام، والجملة الاسمية، وإسناد هذا الحق لله تعالى، والتعبير عن الله جل جلاله للدلالة بربك للإشارة إلى أنه اقتضته تربيته لك، وقيامه على شئونك، وأنه سار على حكمته، ولأنه رأى تقلب وجهك في السماء، وإن ذلك الحق ثابت في كتبهم، فإنه ثابت في التوراة أن القبلة تتحول إلى فاران أي إلى مكة.

وبعد أن أكد سبحانه وتعالى وجوب الاتجاه إلى القبلة في السفر والإقامة - بيَّن سبحانه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه تحت سلطان علمه وحكمته، وأنه رقيب على المؤمنين ليس بغافل عنهِم ليتحروا القبلة ويتعرفوها، ولا يصلوا إلا بعد هذا التحري فقال تعالت كلماته: (ومَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلونَ).

نفَى الله تعالى وجل جلاله عن نفسه الغفلة، أي أثبت العلم الكامل، بتأكيد نفي أن يقع فعل في الوجود على غير علم منه، باستغراق النفي، وبذكر لفظ الجلالة الذي يتصف بكل كمال، ويستحيل عليه أي نقص، وبالباء الدالة على استغراق النفي.

وإن هذا الكلام السامي قد يكون إنذارًا، ولكنه موجه إلى المؤمنين، وليس موجها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بدليل أن الخطاب كان باللفظ الدال على الجمع، (عَمَّا تَعْمَلُونَ).

وقد أكد سبحانه وتعالى الأمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - بتكراره، وذكر الأمر للمؤمنين أجمعين تعميما للأماكن، حيثما كانوا في سفر أو إقامة كما أشرنا، فقال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>