الضمير في (بُطُونِهِ) يعود إلى النعم، أو بعض هذه النعم، وهو الإناث منها، وفي عودته لبعضها لَا بد من مسوغ يدل عليه، فنقول: إن (من) الأولى تدل على التبعيض فهي تشير إلى أن الضمير يعود على بعض، وإن ذلك وإن كان جائزا هو بعيد في السياق، والأقرب منه أن يعود إلى الأنعام، والأنعام لفظ مفرد عند سيبويه، فصح أن يعود بلفظ المفرد المذكر، وذلك معقول، لأن الأنعام على فرض أنها جمع هي جمع النعم، ونعم اسم جنس يدل على الكثير، ولكن لفظه مفرد فصح أن تكون الأنعام بمعنى نعم، ولكن ورد مثل هذه الآية الضمير بلفظ المؤنث كما قال تعالى:(وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٢١).
وقوله تعالى:(مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِّلشَّارِبِينَ)، و (مِن) للابتداء، أي تكون بين فرث ودم، والفرث فضلات الطعام، وقد قال ابن عباس: إن الدابة كل العلف فإذا استقر في كرشها طبخته، فكان أسفله فرثا، وأوسطه لبنا وأعلاه دما، وهذا معناه أنه في الوسط بينهما اللبن، وقد يكون ذلك التفسير من الناحية العلمية مقربا، ذلك أن أكل البهائم يهضم، ثم يتمثل جزء منه في الدم، وجزء ينزل لبنا درا.
وقد وصف اللبن بوصفين:
الوصف الأول - أنه خالص ليس فيه اعتكار بدم، ولا بقية من روث، بل هو صاف نقي لَا عكرة فيه.
والوصف الثاني - أنه سائغ للشاربين، أي يستسيغونه ولا يمجُّونه، وفيه إشارة إلى أنه طعام سهل سريع الهضم والتمثيل وكل طعام تقبله معدات بعض