للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهذا كله على أن (ذُلُلًا) حال من السبل، ويصح أن تكون حالا من ضمير (فَاسْلُكِي) فيكون حالا من النحل، والمعنى اسلكي سبل ربك حال كونك مذللة لما خلقك اللَّه تعالى وهو أن تأخذي الثمرات وقد تمكنت منها ومن الطريق إليها، مسخرة لما خلقك اللَّه تعالى له سبحانه.

ويقول سبحانه: (يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مخْتَلِفٌ أَلْوَانهُ) فما بين أبيض وأصفر وبنفسجي ووردي، وذلك على حسب الغذاء الذي يتغذى به النحل، وعلى حسب سن النحلة التي تخرجه.

وقد قالوا: إن العسل تمجه لعابا، ولا يخرج من بطنها، والجواب عن ذلك أنه ينساغ في بطونها عسلا ثم تمجه لعابا، وهو يتكون أولا في البطن، ومع اختلاف ألوانه ورائحته يجتمع فيه وصف الحلاوة له.

وقال تعالى: (فِيهِ شِفَاءٌ للنَّاسِ) والتنكير هنا للتعظيم، أي فيه شفاء عظيم للناس، ولقد قال بعض العلماء إن فيه شفاء عاما، لأن التنكير للتعظيم لأن فيه شفاء لكل الأسقام، وعن ابن عمر أنه لَا يشكو قرحة إلا جعل عليه عسلا، حتى الدمل إذا خرج عليه طلى عليه عسلا.

وحكى عن بعض التابعين أنه كان يكتحل بالعسل ويتداوى بالعسل في كل مرض.

وإن النص القرآني يدل على أن فيه شفاء عظيما، ولكن لَا يدل على أنه تعالى يشفى به كل الأمراض، وحسبه أن يكون فيه شفاء عظيم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداوي به أمراض البطن، روى البخاري ومسلم أن رجلا جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " اسقه عسلًا "، فذهب فسقاه عسلا ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقا، قال: " اذهب فاسقه عسلًا " ثم جاء فقال: يا رسول اللَّه ما زاده إلا استطلاقا، فقال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: " صدق الله وكذب بطن أخيك، اذهب فاسقه عسلًا فبرأ (١).


(١) رواه البخاري: الطب - الدواء بالعسل (٥٢٥٢)، ومسلم، واللفظ له: الطلام - التداوى بسقي العسل (٤١٠٧).
وهذا نصه في مسلم:
" جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنَّ أَخِي اسْتَطْلَقَ بَطْنُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اسْقِهِ عَسَلًا» فَسَقَاهُ، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ فَقَالَ: «اسْقِهِ عَسَلًا» فَقَالَ: لَقَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ اللهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ» فَسَقَاهُ فَبَرَأَ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>