للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له من أسباب الرزق، وبذلك ينتهي البيان القرآني في زعمنا إلى تقرير حقيقتين الحقيقة الأولى - أن العجز والكسب والكَيْس بتقدير من اللَّه وباختيار منه، فليس لأحد أن يستطيل أو يستكبر فاللَّه هو الرازق.

والحقيقة الثانية - أن الفقر والغنى حقيقتان ثابتتان؛ لأن اللَّه تعالى خلق القوي متفاوتة، والفرص متفاوتة، والأسباب في الحياة مختلفة فكان جهلا أن يدعي مغرور أنه يذيب الفوارق بين الغنى والفقر، وقد شاع هذا الغرور في هذه الأزمان كالذي جهل طبائع الإنسان فأفقر ناسا من ذوي الإنتاج، وأغنى العجزة، وكانت أسباب الرزق الحرام طاغية على الحلال المنتج.

قال تعالى في المثل الثاني، وهو في معنى الأول، وهو من تصريف اللَّه البيان في قرآنه المجيد.

(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦)

وهذا مثل آخر كالمثل الأول، وكان الأول موازنة بين عبد مملوك لَا يقدر على شيء، وآخر حر قد رزقه اللَّه وهو ينفع الناس بما رزقه اللَّه تعالى يعطيهم سرا وجهرا على حسب ما يرى، وعلى حسب نيته المحتسبة، والثاني كان موازنة بين رجلين آخرين؛ ولكن أحدهما عاجز لَا يقدر على شيء وهو في حياته كل على قريب له هو مولاه لَا نفع منه، وآخر قادر في عقله مستقيم في خلقه عادل في ذاته.

قال سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ)، أي بين حالا لرجلين موازنا بينهما (أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ)، أي أخرس لَا يستطيع أن ينطق فلا يجيب إذا دعاه الداعي، والأخرس في أكثر الأحوال ناقص في مداركه؛ لأنه قد سدت عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>