للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأثبت وأليق، وكيف يستغفر للعدو إذا مات على ضلالة، ولكن العدل معه معقول في ذاته، وتحقيقه وهو الأكرم والأنسب.

ومن العدالة مع الأعداء الوفاء بالعهد؛ ولذا قال تعالى: (. . . وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)، وقد قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ). قيل إنها جاءت في بيعة المسلم عند دخوله في الإسلام يبايع اللَّه ورسوله على الإسلام، وقيل: إن هذا في النذور، والحق إن الأمر في الآية عام في وجوب الوفاء بالعهد سواء أكان عهدا فرديا أم كان جماعيا أم كان دوليا، والوفاء بالعهد من العدالة، والعهد اتفاق بين طرفين يوجب على كل واحد منهما التزاما، وهو كأي عقد بين طرفين يوجب إلزاما والتزاما، فلا ينقضي إلا بتراضي الطرفين، وليس هذا داخلا في عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " من حلف على شيء، فرأى خيرا منه فليحنث وليكفر " (١)، فإن ذلك في الأيمان التي هي التزام شخصي كان يحلف ألا يفعل كذا، أو ألا يصلح بين خصمين، فإن ذلك واقع تحت النهي في قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضةَ لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ. . .).

وقد سمى اللَّه تعالى العهد الذي يعاهد عليه، ويكون فيه التزام من الجانبين؛ ولذا كان بصيغة المفاعلة، (عَاهَدتُّمْ)، وسماه عهد اللَّه لأنه موثق بيمين اللَّه عادة، ولأنه بين دولة الإسلام وغيرها، فكان كأنه عهد اللَّه الذي وثقه المسلمون في ظل اللَّه تبارك وتعالى.

وهو يشمل كل عهد عاهدته الدولة الإسلامية بعهد اللَّه تعالى، وهو عدل وقوة، أما أنه عدل فلأنه وفاء بما التزموا ومن العدل الوفاء لهم، وكما أنهم ملزمون بالوفاء فيجب علينا أن نلتزم به، وأما أنه قوة، فلأن من يطمئن إلى عدله


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>