للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه الثاني - أن يكون الكذب مفعولا للمصدر، ويكون المعنى ولا تقولوا لوصفكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ومؤدى التوجيهين أنه لَا يصح أن تقولوا هذا حلال وهذا حرام، فإن ذلك الوصف هو الكذب بعينه ما دام لم يجئ من اللَّه بيان فيه، ولأنه قد ثبت ما أحل وما حرم، فما عدا ما قاله اللَّه باطل باطل، ولذا قال تعالى: (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ)، (اللام) هنا هي لام الصيرورة أو لام العاقبة، والمعنى لَا تفعلوا ذلك؛ لأن العاقبة أن تفتروا على اللَّه الكذب. (افترى) أي قصد باهتا الكذب وتعمده وأزاد، وقد ختم اللَّه تعالى الآية بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) أكد سبحانه بأنه لَا يفلح الذين يقصدون الكذب على اللَّه تعالى ويتعمدون ويبهتون الناس بالكذب عليه سبحانه، وذلك لأنهم يكونون قد مردوا على الكذب، وفسدت مداركهم إذ ماعت نفوسهم فصارت لَا تتجه إلى الحقائق ولا تستقر فيها الحقائق، ولا يؤمنون بحق، ولا يرفضون الباطل، إذ من تصل حاله إلى الكذب على اللَّه لَا يمكن أن يفوز في أمر من الأمور؛ ولذا قال: (لا يُفْلِحُونَ)، أي ليس من شأنهم أن يفوزوا.

وقد ذكر الموصول للدلالة على أن الصلة هي السبب في عدم الفوز، وأكد سبحانه عدم الفوز بالجملة الاسمية وإن المؤكدة، وإذا كنا نراهم قد مردوا على الكذب وصار شأنا من شئونهم فلا مانع يمنع من الكذب على اللَّه سبحانه وتعالى، أي كذب أعظم من أن يحرموا ويدّعوا أن اللَّه هو الذي حرم عليهم.

وقد بين سبحانه في تأكيد عدم فوزهم أنهم يحسبون بريق الحياة ومتاعها هو المتاع، وبين اللَّه تعالى أن متاعها قليل؛ لأنه في ذاته قليل وزمانه قليل ومتاع الآخرة هو الأبقى ومن طلب متاع الدنيا بغير الحق فالآخرة تكون له عذابًا أليمًا؛ ولذا قال تعالت كلماته:

<<  <  ج: ص:  >  >>