للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طويل، ولم يهبه إلا على الكبر، كما قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ. . .)، وشكر النعمة، واختبر بالفداء بذبح ولده فقبل راضيا، ثم فداه رب العالمين بذبح عظيم ووفقه في بناء الكعبة وأمده بعمر طويل كله كان في الخير وعمل الصالحات، و " خير الناس من طال عمره وحسن عمله " (١)، وجعله أبا الأنبياء وشعر بذلك في حياته فقد كانوا من أولاده، وقد نالوا منزلة النبوة فكان إسماعيل من ذريته النبي الهاشمي الأُميّ، ومن ذرية إسحاق كان أنبياء بني إسرائيل، وجعل اللَّه له كما طلب (. . . لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)، فكان كل أهل الديانات يتولونه، ويعتزون بالنسب إليه وأنه مع النعم التي أنعمها سبحانه وتعالى عليه كان شاكرا لأنعمه.

ولذلك حسنت حياته فقال تعالى: (وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ذكر ذلك الكريم الحنان المنان على أنه خبر لَا إيتاء وكأنه نتيجة لما كان منه في الدنيا ولم يذكر أنه عطاء من اللَّه تعالى، وإن اللَّه له المَنُّ والفضل، ولم يذكر ذلك ليبين سبحانه وتعالى أن اللَّه تعالى يعطي الناس على قدر شكرهم: (. . . لَئِن شَكَرْتُم لأَزِيدَنَّكُمْ. . .)، وأن خير الآخرة ثمرة عمل الدنيا وكله بفضل اللَّه وعطائه (. . . وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).

وقد أكد أنه في الآخرة من الصالحين بالجملة الاسمية، وإن المؤكدة ولام التوكيد، وأنه في صف الصالحين، والصالحون في الآخرة هم المقربون الذين يفوزون بنعيم الجنة وينظر إليهم ويرضي عنهم ورضوان من اللَّه أكبر. وإن ما دعا إليه إبراهيم - عليه السلام - هو ما يدعو إليه محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ ولذا قال تعالى:


(١) أخرجه الترمذي: الزهد - ما جاء في طول العمر للمؤمن (٢٢٥٢)، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، وأحمد: أول مسند البصربن (١٩٥١٩)، والدارمي: الرقاق: (٢٦٢٥).
(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>