للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الإسراء بالجسم: إن ظاهر الآية القرآنية التي أثبت الإسراء وهي قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)، أن الإسراء كان بالجسد والروح؛ وذلك لأنه سبحانه وتعالى قال: (أَسْرَى بِعَبْدِهِ)، والعبد هو الروح والجسد، وما دام الظاهر لَا دليل يناقضه من عقل أو نقل، فإنه يجب الأخذ به، فإنه من المقررات أن الألفاظ تفسر بظاهرها إلا إذا لم يمكن حملها على الظاهر لمعارض، ولا معارض.
وفوق ذلك فإن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم عندما أعلن خبر الإسراء بين قريش ففتن بعض الذين أسلموا وارتد من ارتد، ويقول في ذلك ابن كئير فيما رواه عن قتادة: " انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم إلى مكة، فأصبح يخبر قريشا بذلك؛ فذكر أنه كذبه أكثر الناس، وارتدت طائفة بعد إسلامها، وبادر الصديق إلى التصديق، وذكر أن الصديق سأله عن صفة بيت المقدس، وقال: إني لأصدقه في خبر السماء بكرة وعشيا، أفلا أصدقه في بيت المقدس، فيومئذ سمي أبو بكر الصديق.
وإنه روي أنه عند مروره صلى الله تعالى عليه وسلم على عير لقريش فَندَّ بعير لهم نافرا، فأرشدهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى مكانه، وقد أخبروا أهل مكة بذلك (الروض الأنف، جـ ١، ص ٢٤٤).
وإنه روي أن أهل مكة الذين ردوا القول استوصفوه عيرا لهم فوصفها، وقد قال صلى اللَّه تعالى عليه وسلم في إخبارهم، والاستدلال على صدقه: " وآية ذلك أني مررت بعير بني فلان، بوادي كذا وكذا، فأنفرهم حسن الدابة (هى البراق التي سنذكر الروايات عنه من بعد) فندَّ لهم بعير، فدللتهم عليه، وأنا متوجه إلى الشام، ثم أقبلت، حتى إذا كنت بصحنان مررت بعير بني فلان، فوجدت القوم نياما، ولهم إناء فيه ماء، قد غطوا عليه بشيء، فكشفت غطاءه، وشربت ما فيه، ثم غطيت عليه كما كان، وآية ذلك أن عيرهم تصوب الآن من ثنية التنعيم (هو المكان) البيضاء يقدمهم جبل أورق عليه غرارتان، إحداهما سوداء، والأخرى برقاء، فابتدر القوم الثنية. . . وسألوهم عن الإناء وعن العير فأخبروه، كما ذكر رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم.
وإن هذا كله يدل على أن الإسراء كان بالروح والجسد، فإن تلاقى مع المارين بين مكة والشام وأخبر عن التلاقي، وصدق خبره - صلى الله عليه وسلم -، وإذا كانت بعض هذه الروايات في إسنادها كلام، فإن بعضها يقوي الآخر، ونص القرآن ظاهر في تأييد الدعوى، بل لَا يدل على غيرها حتى يقوم الدليل.
ولو كان الإسراء بالروح أو الرؤيا الصادقة ما كانت ثمة غرابة تمنع التصديق، ولبادر النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم بإخبارهم إلى أن ذلك رؤيا في المنام، أو هذا وحي أوحى به إليه.
ولقد كان بجوار هذا القول الذي تنطق به الآية الكريمة قول آخر روي عن أم المؤمنين عاثشة رضي اللِّه تبارك وتعالى عنها وعن أبيها الصديق، وروى أيضا عن معاوية بن أبي سفيان، وقد كان إبان ذلك هو وأبوه من المكذبين الذين يناوئون الدعوة، ولكن لعله نقل عن غيره ممن شاهدوا، وعاينوا، كما نقلت عائشة عن غيرها، وما كانت في ذلك الإبان قد زفت إلى النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم.
وقد كان معاوية مسلما من بعد أم المؤمنين عائشة رضي اللَّه عنها وعن أبيها الصديق، واحتج بقول عائشة هذا، وقد أثر عن النبي صلى اللَّه تعالى عليه وسلم أنه أمر بأن يؤخذ الدين عن عائشة.
ولكن الخبر عنها يحمل في نفسه ما يوهم عدم صدقه عنها، ففيه أنها قالت: " لم تفقد بدنه " وإن ذلك يوهم أنها كانت معه في مبيت واحد، مع إجماع المؤرخين والمحدثين على أنه لم يبن بها إلا في المدينة. =

<<  <  ج: ص:  >  >>