للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفّر به من سيئاته " (١).

وقوله تعالى: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إقرار بالتوحيد واستشعار للعبودية، وإيمان بالبعث والنشور، وفي ذلك عزاء أي عزاء وسلوى عن البلاء، ولقد روى مسلم بسنده عن أم سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله عز وجل: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها " (٢).

وإن الصالحين لَا يفرون من المصائب تنزل بهم، ولا يرونها من جانبها الشديد، بل يرونها من جانبها الصالح المفيد، فهي تربي في المؤمن الإحساس بالربوبية والضعف أمام القدرة الإلهية والإخلاص لله تعالى، فالإخلاص حيث الضعف أمام الله، وأنه لَا كاشف للضر سواه، وإن ذلك يجعله يرجع إلى الله تعالى ويكون ممن أناب إليه سبحانه كما قال الله تعالى: (وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. . .)، وحيث يحس بشدة المصيبة يتضرع إليه، فيدعو إليه متضرعا ليكشف عنه الضر. وإن المصائب تجعل النفوس بعيدة عن الاستكبار فتطمئن إلى الضعفاء، ويتربى فيها الحلم، والعفو وكثرة الثواب بكثرة الصبر، (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، وإن الصالحين لهذه المصائب وثمراتها من طهارة القلب وتنزيه النفس يفرحون ولا يكربون، وإن كانت تجعل غيرهم في كرب، وإنه إذا فرح شكره وإنها تمحص القلوب وتطهرها من الغطرسة والعتو.


(١) متفق عليه، رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كتاب المرضى (٥٢١٠)، ومسلم: كتاب البر والصلة والآداب (٤٦٧٠) واللفظ له عن أبي هريرة - رضي الله عنه.
(٢) رواه بهذا اللفظ مسلم: كتاب الجنائز: باب ما يقال عند المصيبة (١٥٢٥)، وبنحوه عند أحمد (٢٥٤١٧) في مسنده عن أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله عنها -. كما رواه الترمذي، وابن ماجه، والنسائي، ومالك، والدارمي.

<<  <  ج: ص:  >  >>