للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قل يا محمد مطمئنا ومهدئا لعبادي: (يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحسَنُ) و (يقولوا): مجزوم في جواب الأمر، وهو في معنى المعلل لأمر بالقول، أي قل لهم داعيا إلى الصبر، وألا يقابلوا الإساءة بمثلها، ليقولوا التي هي أحسن، أي الكلمة التي هي أحسن، والفعلة التي هي أحسن، وإن رد الإساءة لكون عندما يكون للمسلمين قوة يؤدبون بها المعتدين، ويحملونهم على الحق وتكون كلمة اللَّه هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وكان ذلك قبل الهجرة إلى المدينة كما يدل السياق، وقد استشرفت النفوس لمعرفة السبب في ذلك الأمر وفي نتيجته، فهدَّأ اللَّه هذه النفوس المستشرفة بقوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ)،، أي إن الشيطان ينزغ بينهم، أي يهيج الشر بينهم فتكون المخاشنة داعية إلى الجفوة والمهاترة، والجفوة تبعد النفوس عن الحق أو تزيدها بعدا، بينما الكلمة الطيبة والمعاملة الجسنة، والمودة في غير إثم تقرب، ولا تنفر، وأكد اللَّه هذا النزغ الشيطانى بقوله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا)، أَى إن الشيطان كان مستمرا للإنسان عدوا مبينا للعداوة.

ظاهر العداوة وإن حكمة اللَّه تعالى اقتضت كَما ذكرنا أن يصبر النبي - صلى الله عليه وسلم - على الأذى لأتباعه، والأذى لشخصه، حتى تستمر المودة من جانبه موصولة، فإن المودة تدني، وتجعل المؤذي يتردد في استمرار أذاه، بينما المخاشنة أو المغالبة تجعل للكافر معذرة فيلج في كفره، وقد كان في المؤمنين من يستطيع المغالبة بشخصه وعشيرته، ولكن لم يرد اللَّه؛ حتى لَا تضيع دعوة الحق وسط المنافرة فيكون النفور، وقد خاطب الله تعالى المشركين مقربا منذرا، فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>