للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولهما - أن كتمان العلم فيه فساد في الأرض؛ لأنه يجعل الناس في متاهة من الباطل فتنقلب الأوضاع، ويختلط الحق بالباطل، ولا يعرف الناس سبيلا للهداية، وتسد مسالك الخير؛ إذ لَا هادي إلا أن يرحم الله عباده بها، ويرشدهم إليها.

ثانيهما - أن بيان الخير والحق هو الإصلاح في هذا الوجود فلا سلامة يسكت فيها الحق، وينطق فيها الباطل، وقد لعن بنو إسرائيل لسكوتهم عن البيان في وقت الحاجة إليه، وقد قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩). وكما قالت الحكمة: السكوت عن الحق نطق بالباطل، والساكت عن الحق ناطق بالباطل.

وقد جزى الله تعالى التائبين العاملين المؤكدين لتوبتهم بالبيان للحق والإصلاح بأنه يقبل توبتهم، فقال تعالت كلماته: (فَأُوْلَئكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التُّوَّابُ الرَحِيمُ).

هنا التفات من الإخبار إلى التكلم، فالله تعالى أخبر عنهم في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمًونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) إلى آخر الآية، ثم التفت من الإخبار إلى التكلم عند الجزاء، وكذلك الأمر في أكثر البيان يكون ذكر المعاصي والتوبة منها بالإخبار أو الخطاب؛ ويكون الجزاء من الله تعالى بضمير المتكلم تربية للمهابة، والإشراق في النفس، والإشعار بالرضا، وإن قبول التوبة أحب إلى العاصي التائب من كل ما في الوجود، وهو رفع له من ذلة الذنب وخسته إلى رفعة الحق وعزته؛ ولذا قال عز من قائل: (فَأوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ) الإشارة إلى الموصوفين بالتوبة الذين بينوا ما كتموا وأقاموا الإصلاح مكان الإفساد، وكما قلنا وكررنا الإشارة إلى الموصوف بيان أن العلة هي الوصف، فقبول التوبة سببه التوبة النصوح، والعمل على نقيض المعصية وما ترتب عليها، و " أتوب عليهم " معناها أرجع عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>