البحر، ولكن القرآن تنبأ بأن الفلك ستكون هي الطريق لنقل البضائع من إقليم لإقليم، من أقصى الأرض إلى أقصاها، والآن نرى أن البلد يكون مقدار اقتصاده تبعا لمقدار سواحله، ومقدار المنشآت التي تمر بمراسيه، وتمخر عباب البحر إليه.
ولا تكاد تجد سورة من القرآن خلت من وصف البحر والجواري المنشآت، ولقد اطلع بعض البحارة على بعض تراجم القرآن - وإن لم تكن قرآنا - فعجب عندما علم أن محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يركب البحر، فآمن.
وقوله تعالى:(لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ)، أي لتطلبوا مبتغين مريدين بعض فضله، ومن هنا للتبعيض؛ لأن الفضل الذي يبتغى بالسفائن، إنما هو سبب واحد من أسباب الكسب الحلال، وهو الاتجار، ونقل البضائع بين الأمصار عمل ذي أخطار، وهناك فضل كثير للَّه غيره، فهناك الزراعة، وهناك استخراج المعادن من باطن الأرض، واللآلئ والجواهر من باطن البحار، فكل أولئك من رحمة اللَّه، ولذا ختم الآية بقوله تعالت كلماته ونعمه:(إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) الضمير يعود إلى (رَبُّكُمُ) الذي صدر به القول و (كَانَ) دالة على الاستمرار، وقدم (بِكمْ) على (رَحِيمًا) لكمال العناية بخلقه، وللاهتمام بالإنعام وبالرحمة بهم، فالإنسان محوط بنعمه مغمور بها، ولكن قليل الشكور من بين عباده، وكثير الكفور.
وإن اللَّه كما يجري السفائن في البحار يحفظ راكبيها من كل ضر يسببه ركوب البحار أو لَا يكون به، ولذا قال تعالى: