للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى تصير كالجبال، ومنها المرض حيث يكون منقطعا عن أهله، فإنه يكون في هذه الحال منقطعا عن الناس لَا يعلم به أحد ممن يستغيثهم فيغيثونه، فهل يذكر الأوثان التي يدعوها من دونه قال سجانه: (ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)، أي غاب عن خواطركم من تدعونها آلهة وبدت لكم حقيقتها وهي أنها أحجار لَا تنفع ولا تضر ولا تسمع ولا تبصر ولا تغيث ولا تستغاث، ولعلكم لَا تدركون هذه الحقيقة وقت سرابكم وتغمركم الأوهام التي أضلتكم وقوله تعالى: (إِلَّا إِيَّاهُ)، أي غاب كل ما تزعمون قوة، ولا يحضر اللَّه سبحانه وتعالى، و (إياه) ضمير منفصل في محل النصب، والكلام يشير إلى وحدانية اللَّه تعالى في الخلق والتكوين والعبادة.

وقوله تعالى: (وَإِذَا مَسَّكُمُ) معناه أصابكم، وقال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا مَسَّكُم) للإشارة إلى أن البحر مخوف مرهوب، فالمس يشمل الإصابة التي تصيب الأبدان، ويشمل خوف الغرق والفزع عندما تضطرب الأمواج ويعلو الفلك وينخفض، وقد وجفت القلوب واضطربت الأفئدة.

وقال تعالى: (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنسَانُ كَفورًا).

الفاء هنا عاطفة لترتيب ما بعدها على ما قبلها، وهو ترتيب عكسي، أي أنه كان يترتب على هذا الشكر، ولكن ترتب العكس، فهذا دليل على الجحود، وعمقه في نفوسهم وتغلغله بسبب قلوبهم الكافرة غير الشاكرة.

وقوله تعالى: (فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ) يشير إلى أنهم وهم في البحر هم في مخاطره، ولذلك جعلت غاية النجاة البر، (نَجَّاكُمْ) فيها معنى الإنقاذ، وأنهم ما داموا في البحر فهم عرضة لأهواله، وبعد أن جاء عصر البخار الذي تسير به السفن وسائر المراكب من قطر إلى قطر وغيرها ما تزال في البحر مخاطرة.

ويقول سبحانه: (أَعْرَضْتُمْ)، أي انصرفت نفوسكم عن معاني الضراعة ونسيتموها وكأن لم يكن ضر ولا صرف، وكذلك شأن الإنسان دائما لَا يذكر الأهوال إلا وقت نزولها فإذا زالت نسيها، كما قال تعالى: (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>