للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو اجتمعوا على أن يأتوا بمثله لَا يأتون ولو كان بعضهم يظاهر بعضهم الآخر، وفيه أيضا أن القرآن يعجز الجميع من الجن والإنس لَا العرب وحدهم ما توهم بعض الناس أنه لَا يعجز غيرهم، ولا يخاطب به غيرهم؛ لأنه ليس بلغتهم وأن حَسْبه أن يعجز عن الإتيان بمثله العرب.

(لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ)

(اللام) هي الموطئة للقسم، والتي تدل على أن في الكلام قسما مطويا في القول، وجواب القسم لَا يأتون، ولولا اللام لكان جواب الشرط؛ لأنه لَا يجزم الجواب إذا كان فعل الشرط ماضيا، وقوله اجتمعت يتضمن معنى انقضت واجتمعت في صعيد واحد وأرادوا أن يأتوا بمثله أو كتاب مثله لا يأتون (وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)، أي لو تعاونوا جميعا ولظاهروا على أن يأتوا بمثله؛ وذلك لأول معجز بذاته في ألفاظه وعباراته ونظمه ونسقه ونغمه، حتى إن كل جملة من جمله لها نغم وموسيقا منفردة، ولا يوجد في أية لغة من اللغات مثل هذا النغم الذي يسمع في عباراته ومعانيه، وكل ذي ذوق موسيقى يرى فيه من روائع النغم ما ليس في أي كلام بأي لغة، حتى إن كاتبا أوربيا كان يعلم العربية بعض العلم حكم بأنه لا يزال معجزا بتآخي عباراته، وموسيقا فواصله من غير أن تعتدي الألفاظ على المعاني، بل إنه يتآخى في أداء المعاني، ألفاظه وعباراته وفواصله ونغماته، ولا تدري أيها أشد تأثيرا في نفسك، وفوق هذا كل شيء فيه معجز، فشرائعه إذا قيست بشرائع عصره كان معجزا، وعلمه من أخبار وتنبيه إلى الكون معجز لأنه ينبه إلى أمور من شئون الكون لم تكن معلومة عند علماء الكون في عصره، وغير ذلك مما أحاط به علم القرآن، ثم ذكر سبحانه وتعالى معرض إعجاز القرآن فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>