الحساب، وإنما الإضلال معناه أن يسير الضال في طريق الضلال متبعا هواه وإغواء الشيطان، فيصل إلى نهايته بتقدير اللَّه تعالى وكتابته في سجل الضالين، وقوله تعالى:(فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِن دونِهِ)، أي أنصارا غير اللَّه من الآلهة التي كانوا يعبدونها أو غيرها، إنما هم يهوون إهواء في طريق الضلال من غير منجٍ منه.
والضمير يعود على معنى " مَنْ "، ومعنى (من) جمع، وكان عود الضمير في (وَمَن يَهْدِ اللَّهُ) على لفظ، وهو مفرد ومعناه جمع، وإنما أعيد في حال الضلال على المعنى لتعدد الضلال وكثرته وتشعب مسالكه، وأعيد على لفظ (من) في الهداية لتوحد طريقها، إذ يقول تعالى:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ. . .)، ولقلة المهديين بالنسبة لكثرة الضالين، ولأن (أل) التي للجنس تدل على الكمال والعموم، فهي مغنية عن لفظ الجمع.
وجواب الشرط يشير إلى أن أوثانهم لَا تجديهم شيئا، ولا يصلحون لأية ولاية، ثم بين بعد ذلك عقاب اللَّه تعالى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ) فسرها بعض المفسرين بتقدير محذوف، أي مسحوبين على وجوههم، وذلك لأنهم يسحبون فعلا على وجوههم إذلالا لهم وهوانا بهم، وإظهارا لمقت اللَّه تعالى عليهم، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيسيرون على وجوههم، فقال ما مؤداه: كما سيرهم على أرجلهم سيرهم على وجوههم (١)، ويصح أن يكون ذلك مجازا لإذلالهم وأنهم لَا إرادة لهم في سير، بل يدفعون دفعًا إلى جهنم.
وقال بعض المفسرين: إن معنى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهمْ) أنهم يسيرون منكسي الرءوس، خائفين، فالوجه يعبر به عن الذات، وذلك معقول في ذاته، ويستقيم عليه معنى النص القرآني السامي.
(١) قَالَ أبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث حَسَنٌ. كما رواه أحمد: باقي مسند المكثرين - باقي مسند أبي هريرة - رضي الله عنه - (٨٢٩٣).