للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَخْلُقَ) على قوله (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا) للمبادرة بالنتيجة قبل أوصاف الفعل الأول، لأنها ثابتة بالرؤية والحس، وكل ما في الوجود له دور ينتهي عنده، فالليل والنهار في ميقاته، والشمس والقمر، يظهران كل في ميقاته.

والأجل الذي يذكره اللَّه تعالى أجلان: أحدهما أجل يرى ويحس، وهو أفول النجوم والكواكب، ونحوهما بالنسبة لكل ما تراه في السماء ذات البروج، والموت بالنسبة للإنسان والأحياء بشكل عام، وهو أجل تراه ينتهي كل يوم، والأجل الثاني هو أجل هذه الدنيا فإنها إلى أجل محدود هو يوم القيامة، وقد أقام القرآن الأدلة القاطعة على نهاية هذا العالم، وهو أيضا لَا ريب فيه، لقيام الأدلة بالنقل والعقل على أن الدنيا إلى فناء وبعدها الآخرة.

ومع قيام هذه الأدلة القائمة الثابتة لم يؤمن أكثر الناس، ولذا قال تعالى (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا) الفاء هنا للترتيب والتعقيب، وهي بهذه الدلالة فيها توبيخ لهم على كفرهم، لأن مؤدى القول أنه كان يترتب على هذا النظر والعلم الذي لَا ريب فيه أن يؤمنوا، ولكنهم بدل ذلك كفروا كأنهم يرتبون على الحكم المؤيد بالدليل نقيضه، والناس هنا أهل مكة أو الناس جميعا، فإن أكثر الناس لا يذعنون للحق إذا تبين، (فَأَبَى)، أي لم يرتب على ذلك أكثر الناس (إِلَّا كُفُورًا)، أي إلا كفرا بهذه الحقائق البينة، فـ (كُفُورًا) معناه كفر ملح لاح في الكفر، فزيادة المبني تدل على زيادة المعنى.

هذه حقائق ونتائجها في قلوب الكافرين، وهي عند اللَّه أوسع وأعظم هم يضيقون مدلول الآيات التي تحت أيديهم، واللَّه يريد أن يوسعوا عقولهم وتفكيرهم، ولا يقترون في مداركهم، وإن كان من أوصاف الإنسان أنه قتور ولذا قال تعالى:

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (١٠٠)

<<  <  ج: ص:  >  >>