للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن القصة تضمن معنى جليلا، وهو أن علم الغيب هو علم اللَّه الذي اختص به سبحانه يعلِّمه من يشاء، وأن طاقة الإنسان الفكرية لَا تكون إلا في ظواهر الأعمال، والنتائج التي تكون ثمرة الأسباب الظاهرة، فعلينا أن نسير فيها على مقتضاها، ونبني أعمالنا عليها، ولكن مع ذلك نفرض أن الأسباب لَا تنتج بذاتها، إنما ينتج بإرادة اللَّه تعالى، وبمقتضى علمه المكنون الذي أحاط بكل شيء علما؛ ولذا أمرنا بعد اتخاذ الأسباب أن نتوكل على اللَّه تعالى، مفوضين الأمور إليه، ولذا يقول اللَّه تعالى: (. . . وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ. . .).

وأن ما يجريه اللَّه تعالى معنا ربما لَا يتفق مع ما نرغب، ولكن قد يكون ما غيبه اللَّه تعالى خيرا لنا، كما رأينا في خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار فإنه في هذه الأمور كان خرق السفينة الذي هو عمل اللَّه تعالى سخر له عبدا صالحا من عباده خفي أمره على الناس.

ومن الفوائد التي اشتملت عليها الآيات أن رحمة اللَّه تعالى تعم دائما ولا تخص، وأن رحمته تكون على الضعفاء، فقد قدر سبحانه وتعالى أن السفينة كانت لمساكين يعملون في البحر، فقرر أن تخرق لتكون معيبة، فلا يأخذها الذي يأخذ كل سفينة غصبا، وهذه من رحمة اللَّه تعالى بالمساكين الذين يعملون في البحر صائدين أو ناقلين لما ينفع الناس.

وإن قدر اللَّه تعالى يجري على بقاء الصالح، وفناء غير الصالح، ولذا قتل الخضر الغلام الذي خشي أن يرهق أبويه الصالحين طغيانا ويبدلهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما.

وفى القصة من الآداب الإنسانية، والأخلاق العالية الكثير، فنرى أنه يجب على الإنسان أن يطلب العلم، وأن يبذل الجهد في طلبه غير مدخر في ذلك جهدا؛ فهذا موسى - عليه السلام - يسير في طلب العلم حتى يلقى النصب.

<<  <  ج: ص:  >  >>