للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصف لهؤلاء القوم، وهم كما يبدو أعلى درجة في الإنسانية من الذين وجدهم في مطلع الشمس الذين لم يُجعَل بينهم وبينها ستر، ومعنى (مِن دُونِهِمَا)، أي من وراء الجبلين، فهم لم يكونوا بينهم، بل كانوا وراء هذين الجبلين، أو وراء هذه البلاد التي فيها هذان الجبلان، فهم في مقام أوغر منهما، وهم إلى الشمال أبعد وأعلى.

وقد وصفهم كما أشرنا إلى أنهم (لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا)، أي يقاربون ألا يفقهوا قولا، وهذا يدل على أنهم يفقهون بعض القول ولا يفقهونه كله.

وقال بعض المفسرين: إن ذلك سببه أنهم لَا يعرفون لغة ذي القرنين ومن معه، ولا يعرف لغتهم، ولكن ذلك لَا يعبر عنه بنفي فقه القول؛ لأن فقه القول معرفة أسراره ومراميه، فلا ينفي بجهل معرفة اللغة، على أن المترجمين يغنون في ذلك غناء كبيرا، وذلك إن صح يكون عيبا فيهم، وعيبا في الذين يخاطبونهم، فلا يختصون بالوصف، والظاهر عندي أن المراد أنهم لَا يدركون مرامي الأقوال وأسرارها والأحكام التي تنظم العلاقات بينهم، وهذا الذي يتفق مع (لَا يَكَادُونَ يَفْقَهونَ)؛ لأن الفقه ليس مجرد المعرفة، إنما المعرفة التي يشق فيها غلاف الأمور لإدراك الحقائق، وما وراء الألفاظ، وذلك إلى العلم بالواجبات، وفقه الأقوال أقرب، ويكون المراد ليس عندهم علم بالعدل ونظام الحكم، وما يجب لجلب المنافع ودفع المضار.

ولكنهم مع أنهم لَا يعرفون الشرائع، ولا نظم الأحكام يرون المضار تتوالى عليهم من جيران أشد جهالة، ولا يخضعون لنظام، ولا يقرون حقوقا، ولا يخضعون لواجب، وهم يأجوج ومأجوج، وهم يسكنون في مناطق منغوليا ومنشوريا، أو هم منهم؛ ولذا لما وجدوا ذا القرنين وما يحمل معه من نظم إصلاحية مانعة من الظلم دافعة للفساد.

(قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>