للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النار ما يكون حطبها، ولأنه أمارة الفناء للعمر كما تفنى النار ما تحرقه، وأسند الشيب إلى الرأس مع أنه يكون في الشعر من قبيل اسم المحال وإرادة الحالّ، إذ جلد الرأس هو منبت الشعر ويكون فيه، وإن في هذا النص من البلاغ ما يليق بالقرآن الكريم أبلغ القول في الإنسانية كلها، إذ هو كلام اللَّه تعالى الذي لَا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإن نسبة الاشتعال إلى الرأس ما يثير الاهتمام فيحاول العقل تعرف اشتعال الرأس فيجيء التمييز (شَيْبًا) بما يفيد اشتعال الشعر، ولم يذكر الشعر بل اكتفى بذكر محله.

وقال اللَّه تعالى عن زكريا: (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) في هذه الجملة السامية الدلالة على رجائه من اللَّه تعالى، وفيها ذاتها ضراعة، وعبر هنا بالدعاء، وفى الأولى بالنداء للدلالة على أن النداء استغاثة وتلهف ورجاء، ودعاء وعبادة وتقى، وذكر (رَبِّ) في هذه لبيان أن نعمه سبحانه وتعالى موصولة دائما منذ خلقه إلى أن يبعثه نبيا، و (شَقِيًّا) بالأمر إذا تعب فيه ولم ينل ثمرته، أو طرد من خير، والمعنى لم أكن منذ خلقتني بدعائك محروما متعبا، بل كانت نعمة واستجابة دعائي قائمة دائمة موصولة، وفي نفي الشقاء في الدعاء ماضيا تأكيد للرجاء قابلا، وأن ذلك من طرائق الاستجابة والرغبة فيها، وإن ذكر النعمة الماضية شكر لها وإيذان لشكر فاعله.

وصرح بموضوع الدعاء فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>