للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ)، أي تعبدون، أعتزلكم وعبادتكم المشركة الآثمة لاجئا إلى اللَّه تعالى، ولذا قال: (وَأدْعُو رَبِّي)، أي أعبده لأنه ربي الذي خلقني القائم على كل أموري.

وإطلاق الدعاء بمعنى العبادة؛ لأنه التجاء إلى اللَّه تعالى، وهي ضراعة إليه، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الدعاء مخ العبادة " (١)، وقد ذكر التصريح بالعبادة بعد ذلك في قوله تعالى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) (عسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا)، أي خائبا ضائعا غير مقبول في دعائي وعبادتي، فإن ذلك هو الشقاء الأكبر، وهذا الرجاء كان لفرط إخلاصه للَّه تعالى، وخشيته من غضبه وطرده، فإن الحبيب دائما يخشى من غضب محبوبه، ويعمل على رضاه ويخشى من غضبه، وخليل اللَّه الذي اختاره اللَّه تعالى خيلا، وقال: (. . . وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيم خَلِيلًا)، كان أشد ما يخشاه غضب ربه، وأن يرد عبادته فيشقى بهذا الرد، وقال: (عَسَى) الدالة على الرجاء تواضعا للَّه واستصغارا لعبادته، وكان بهذا المخلص البر الحبيب المحبوب؛ إذ غلَّب الخوف ليصلح أمره وأنه إذ اعتزلهم حرم من أنس أهله، فوهبه البنين والذرية، ولذا قال تعالى:


(١) سبق تخريجه من رواية الترمذي في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>