للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلا بعض هذه المحرمات وكان خارجًا في معصية فإنه لَا يترخص له في أكل واحد من هذه المحرمات؛ لأن وقوع الضرورة بسبب معصية، والمعصية لَا تحل المحرم.

وأبو حنيفة ومالك وأحمد، والرأي الثاني عند الشافعي أن الرخصة قائمة وسببها ليس هو المعصية أو غير المعصية، وإنما سببها الاضطرار والخشية من الهلاك والمعصية في قتل النفس أشد من المعصية في الخروج على الأحكام؛ ولأن الجهة منفكة؛ فرفع الإثم لدفع الجوع والظلم في العصيان فلا خلط بينهما، ومن المقررات أن الظالم في معصية لَا يحرم من حقوقه في ناحية أخرى، وإلا كان ظلما والظالم لا يظلم، ولكن يقتص منه في موضع ظلمه، هذا وإن الرخصة نتيجتها أن يرفع الإثم لَا أن تباح الميتة وأخواتها، ولكن قرروا أنه في حال الضرورة هذا يكون الأكل مطلوبا طلبا حتميا بحيث يأثم إن لم يأكل، لأن عدم الأخذ بالرخصة قتل للنفس والله تعالى يقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا).

ولقد ختم الله تعالى النص الكريم بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحِيمٌ).

هذا النص السامي فيه تسجيل لرحمة الله تعالى، ولغفرانه في الدنيا والآخرة ما يرتكب إن كان بقصد حفظ النفس من التلف، وكان من غفرانه أن رفع الإثم وسببه قائم عن المضطر إلى أكل المحرمات، وكان من رحمته أن أباح هذه الطيبات، وإن حرم الخبائث، فتحريم الخبائث لأضرارها، وإباحة الطيبات لنفعها من رحمته سبحانه، إذ إن الشريعة الغراء قامت على جلب ما هو نافع ودفع ما هو ضار، وكان من رحمته جلت قدرته أن رفع الإثم عند الاضطرار.

وقبل أن ننتقل إلى آياته البينات نقرر أمرين. أولهما: ما قرره بعض العلماء ذوي النظر الثاقب أن الجوع الشديد يجعل الجسم يستطيع تناول هذه الخبائث الضارة إذ الجوع يذهب بأضرارها، أو لَا يجعلها تؤثر بالأذى في الجسم ما دام لَا يتعدى حد الضرورة، فإن تعداها كان الضرر المؤكد من هذه الخبائث. الثاني: إن هذه المحرمات إنما هي في حيوانات البر والنعم كما قررنا، أما صيد البحر فإنه حلال كما قال تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا. . .). جعل الله طعامنا حلالا طَيبا، وهنيئا مريئا.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>