ثم ذكر تعالى ما يكوِن بعد الحشر وهو إحضارهم إلى جهنم، فقال تعالى مقسما:(ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا)، (ثُمَّ) عاطفة على جواب أقسم (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) فهو سبحانه بعد أن يحشرهم مع شياطينهم الذين وسوسوا لهم بعبادة الأوثان يحضرون، وإن ذلك وإن كان خاصا بالكفرة؛ لأنهم الذين أغواهم الشياطين وأضلوهم، ولكن أضيفت إلى الجميع الأبرار والفجار؛ لأن الحشر للجميع، والجميع يرون جهنم كي تتلى الآيات من بعد.
والإحضار حول جهنم جاثين على ركبهم؛ ولذا قال تعالى:(ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا)، والجثي جمع جاث، وهم الجالسون على ركبهم.
فقال تعالى:(وَتَرَى كلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً. . .)، وذلك يكون في أحوال تناقلات القول، وذلك من تجاثي أهلها على ركبهم، وذلك يكون في حال الاستفزاز والقلق، وكأنهم لهول ما يرون يتجاثون على ركبهم فزعين قد أصابهم الهلع، ويكونون حول جهنم مترقبين ما يكون من أمرهم في جزع.
والعطف بـ (ثُمَّ) يقتضي فاصلا بأمد ليس قصيرا بين الحشر والإحضار، وذلك الأمد يكون فيه الحساب ويكون ما يقرره اللَّه لأهل البر، وما يقرره للفجار، فكل يحضر حول جهنم ثم يكون الأبرار بعد ذلك للجنة إذ يرون ما آل إليه أمر الكفار، كما سنتلو قوله تعالى:(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا).