للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال اللَّه تعالى في ثمرثه الاجتماعية بالنسبة لعلاقاتهم الإنسانية (سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) بضم الواو وبكسرها، وبهما كانت القراءة، فقرئ بالضم. وقرئ

بالكسر، والود المحبة من غير حمل عليها، بل بانجذاب القلوب المؤمنة، فإن الإيمان يصفي قلوبهم، وينير بصائرهم، فينجذب بعضهم لبعض من غير تحبيب، بل بمقتضى الطهر الجامع. والإخلاص الذي يؤلف القلوب، ويؤاخي بين الناس، روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن لله عبادا ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانهم من الله يوم القيامة " قالوا: ومن هم يا رسول اللَّه؟ قال: " قوم تحابوا بروح من الله على غير أرحام تربطهم ولا أموال يتعاطون، والله إنهم لنور، وإنهم لعلى نور "، ثم تلا قوله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

وكذلك كان المؤمنون الأولون، حتى إن الرجل من الأنصار بعد المؤاخاة كان يشاطر أخاه في ماله غير ضنين، بل إن بعضهم كان ذا زوجتين فهمَّ بأن يطلق إحداهما ليتزوجها أخوه، ولذا وصف اللَّه الأنصاري بقوله تعالى: (. . . وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ. . .).

ولقد كانت المحبة الصادقة والمودة الرابطة قوة المسلمين في مكة، حيث لا قوة لهم من مال أو جاه أو سلطان، فقد كانت هذه المودة دافعة أبا بكر لأن يشتري الأرقاء من المؤمنين، ويعتقهم، وقد صاروا فيما بعد قوة المسلمين في الجهاد وذوي شأن بين أهل الإيمان، وإنه من وقت زال الود الجامع للمؤمنين زالت وحدتهم، وذهبت قوتهم، ولا أستطيع أن أقول: إنهم خرجوا عن الإيمان، ولكن المؤكد أنهم لم يعملوا عملا صالحا، بل تنابذوا وذهبت ريحهم.

ولقد ذكر اللَّه سبحانه وتعالى ما يجمع شملهم ويوحد أمرهم، ويذهب شتاتهم وهو القرآن الكريم. فقال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>