للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالقذف يفيد معنى الشدة في الإلقاء وذلك للمعاناة النفسية التي كانت تعتلج في قلب الأم الرءوم فكان التردد الشديد، ثم انتهى التردد بالإلقاء، وكأنها تقذف قطعة منها في تابوت مغلق لَا تدري بالحس ما الله فاعل به.

ألقته في التابوت بمعاناة نفسية، ثم ألقت التابوت الذي فيه موسى - قطعة نفسها - في اليم وهي في ألم مرير، والضمير في قوله تعالى: (اقذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) يعود على موسى بلا ريب وأما في قوله: (فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ) يحتمل أن يكون لموسى وأن يكون للتابوت، وفي كلتا الحالين هي تقذفه وقلبها معلق به، والأوضح أن يكون لموسى، لقوله تعالى: (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) العداوة ليست للتابوت، وإنما هي لشخص الرسول الكليم.

ويلاحظ أن العطف كله بالفاء التي تفيد الترتيب والتعقيب من غير تراخ زمني؛ ذلك لأن الأم الرءوم تريد المسارعة بنجاة ولدها الحبيب من الذبح، والإلقاء هو السبيل الوحيد أمامها، والله سبحانه وتعالى الذي ألهمها بإلهامه الذي هو وحي، ينقذه قبل أن يموت جوعا أو تتقاذفه الرياح، يعجل سبحانه وتعالى بالنجاة فألقاه في الساحل وقوله تعالى: (يَأخُذْهُ عَدُو لِّي وَعَدُو لَّهُ) (يَاخُذهُ) مجزوم في جواب الأمر، وعداوة فرعون لله تعالى واضحة وقت الإلقاء على الساحل، أما عداوة موسى لفرعون فستكون من القابل.

وقد عبر عن وجوده على الساحل بالإلقاء دون القذف؛ لأن القذف يكون من أعلى لأسفل ولأن الإلقاء لم يكن بمعاناة من الأم، بل كان برحمة من الله تعالى.

نجا موسى صغيرا من الذبح الذي كان يتزقب كل مولود ذكر من بني إسرائيل، ثم كانت الثانية وهي حفظه وكفالة أمه له، وأن يكون بين أحضانها وهذا هو المظهر الثاني لمنة الله تعالى فقد ألقى عليه تعالى محبة، فقال تعالت كلماته: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي) ألقى الله تعالى عليه محبة منه سبحانه، والمحبة التي ألقاها تعالى ذات عناصر، أولها: أن الله تعالى أحبه، ومن أحبه الله تعالى كان

<<  <  ج: ص:  >  >>