للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعد حسن يطمئنكم في حاضركم وقابلكم، ولم يذكرهم بحاضرهم الذي هم فيه، وما كانوا عليه في الماضي، وحتى لَا يصل اللوم إلى المجافاة، ولأن ذلك إنعام عليه وعليهم، ومنزل النعم وهو الله تعالى هو الذي يذكرهم بذلك.

وقوله تعالى: (أَلَمْ يَعِدْكمْ رَبُّكُمْ) استفهام إنكاري، أي لقد وعدكم ربكم وعدا حسنا مع التنديد الحفي، وعبر بـ (رَبُّكُمْ) للإشارة إلى أنه وعد محقق لا محالة. لأنه وعد من الله ربكم الذي خلقكم، وهو القيوم على كل أموركم ومالكم نسيتم هذا الوعد (أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) العهد أي الزمن، و " الفاء " هنا سببية، والمعنى أفطال عليكم الزمن فنسيتم الوعد الذي وعده الله، والمعنى أبسبب طول الأمد نسيتم وعد ربكم؛ وهو توبيخ شديد، فإن الزمن لم يطُل، بل كانت الأحداث متلاحقة لَا تراخي فيها حتى يكون النسيان، فقد أنجاكم ربكم، وأغرق فرعون، ثم كان الوعد من الله باللقاء، وكانت فتنة العجل على قرب من ذلك.

ثم كانت الجملة الاستفهامية المعادلة (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) نزل بهم، رفقا بهم من المعاندة لله تعالى، وهي مرتقى صعب لا يريد أن يكونوا فيه، إلى المعاندة له هو، وسارع فتبين أنها هي الأخرى، مغاضبة لله تعالى؛ لأنه عليه السلام لَا يتكلم إلا عن الله، (أَمْ) استفهامية للمعادلة، و (أَرَدتُّمْ) هنا ليست متجهة إلى أن يحل بهم غضب من ربهم، إنما إرادتهم منصب على السبب الذي يفضي إلى حلول غضب الله تعالى عليهم. وفي هذا إشارة ليست خفية إلى أن ما ارتكبوه من عبادة العجل إغضاب لله تعالى، وكفر به، وإن ذلك يؤدي لَا محالة إلى أن يحل بهم غضب الله تعالى، وعبر عن الذات العلية بقوله: (مِّن رَّبِكمْ) إشارة إلى أنه هو الذي نجاهم من فرعون وأغرقه، وكلأهم بكلاءته ونزل عليهم المن والسلوى.

وقال عن غضب الله بأنه يحل عليهم، والمعنى آثاره من إصابتهم بالبلاء من قتل وذبح وصَغَار في الأرض، وقد ذاقوه وتمرسوا عليه في حياتهم في مصر، وهذا حث على طلب رضا الله تعالى، بدل أن يسيروا فيما يوجب أن يحل بهم عضبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>