أولها: قوله تعالى (جَمِيعًا) فإنها توكيد، والتوكيد يكون لرفع احتمال، ونقول: إن (جَمِيعًا) تشير إلى وجود إبليس معهما، وتدل على هذا قوله تعالى:(بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُو) فما كانت العداوة بين آدم وزوجه، إلا أن تكون الفتنة بين الرجال والنساء، وإنما العداوة هي بين آدم وإبليس، كما قال تعالى:(إِنَّ هَذَا عَدُو لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى).
الأمر الثاني: هو الاختبار والتكليف وبيان عاقبة العصيان، ولذا قال تعالى:
(فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) و " إما " هي " إنْ " الشرطية و " ما " المؤكِّدة لمعنى الاشتراط في فعل الشرط، وأكدته أيضا نون التوكيد الثقيلة، أي أن إتيان الهدى الهادي مؤكد لَا مجال للريب فيه، والهدى يجيء على لسان هادٍ هو رسول من رب العالمين، وهو مبشر لمن اتبع الحق منذر لمن ضل عن سبيله، وإن هذا هو موجب التكليف؛ إذ لَا تكليف إلا إذا وجد بيان، كما قال تعالى:(. . . (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).
الأمر الثالث: أن من اتبع هدى الله تعالى فإنه لَا يضل ولا يشقى، وكان الشقاء مقترنا بالضلال؛ لأن الضلال يجعل المؤمن في حيرة لَا يدرك فيها حقا، ولا يهتدي، وإن ذلك شقاء أي شقاء، وشقاء الإنسان في حيرته، وفوق ذلك فإن الضلال يؤدي إلى الشقاء لَا محالة في اليوم الآخر حيث الحساب والعقاب، وإن ثمرة الضلال لَا محالة هو العقاب.
ويلاحظ أنه قد ذكر في هذه الآية الاختبار مجملا، وذكر مفصلا في سورة البقرة بعض التفصيل، فقال تعالى:(وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨).