للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكتبْ، فنقول إنه بعد ذكر صيغة الوجوب، وهي " كتب " الدالة على الفرضية يكون الحديث دالا على الكتابة تنفيذًا للفرضية وتأكيدا لها، وتثبيتا، وقال الأكثرون الوصية ليست واجبة في غير الودائع، والديون التي عليه، والصدقات التي وجبت ولم يؤدها، وقد اتفق الفقهاء على وجوب الوصية في هذه الأمور التي تكون حقا عليه، ولم يقم بأدائه في حياته فيوصي به بعد وفاته.

والظاهرية من نفاة القياس قرروا أن الوصية واجبة بظاهر الوجوب في قوله تعالى: (كتِبَ عَلَيْكُمْ) وأنه إن لم يقم بذلك كان للقاضي أن يأخذ قدرا من الوصية يعطيه لمن يستحقه أي قدر كان.

وقد علق تعالى طلب الوصية على وجود قدر من المال يسمى " خيرا " فقال تعالى: (إِن تَرَكَ خَيْرًا) وما المراد بالخير؛ قال بعض العلماء: إن أي قدر من المال خير، لأن الله تعالى سماه خيرا فقال تعالى: (ومَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتمْ لَا تُظْلَمُونَ)، وإن المال القليل يطلق عليه إنه خير؛ ولذا قال تعالى عن موسى عليه السلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِليَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، وإطلاق كلمة خير على المال قل أو جل لأنه سبيل للخير، وخلق المال لجلب الخير، ودفع الضر.

وروي عن كثير من الصحابة أن الخير المراد به في الآية الكثير كثرة نسبية النسبة لحال الورثة وعددهم، روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رجلا قال لها: إني أريد أن أوصي، قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف درهم. قالت: فكم عيالك؟ قال: أربعة. قالت: إن الله تعالى يقول: (إِن تَرَكَ خَيْرًا) وهذا شيء يسير فدعه لعيالك فإنه أفضل لك (١).


(١) عن أم المؤمنين عائشةَ بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - قالتْ: قالَ لَهَا رَجُلٌ: إنِّى أريدُ أنْ أوْصِي، قالتْ: كَمْ مالُكَ؟ قالَ: ثلاثةُ آلاف، قالتْ: كم عيَالُكَ؟ قالَ: أرْبَعَة، فقالتْ: قالَ الله سُبْحَانَهُ: (إِن ترَكَ خَيْرًا الْوصِية. . .)، وإنَّ هَذَا لشىَء يسيرٌ، فاترُكْهُ لِعِيَالِك فهو أفْضَلُ. [رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب من استحب ترك الوصية إذا لم يترك شيئا كثيرا (١٢٧٢٧)].

<<  <  ج: ص:  >  >>