للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالجذام في كل بدنه، ولم يبق منه شيء سليم سوى قلبه ولسان يذكر بهما الله تعالى، حتى عافه الجليس، وانفرد في ناحية في البلد ولم يبق أحد من الناس يحنو عليه سوى زوجه كانت تقوم بأمره، ويقال إنها احتاجت فصارت تخدم الناس لأجله ".

ومع هذا المرضِ الممض المنفر، ومع الانفراد كان صابرا، كما قال الله تعالى: (. . . إِنَّا وَجَدنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّه أَوَّابٌ)، ولم يشكُ لأحد غير الله، والشكوى لله لَا تنافي الصبر، وإنما الذي ينافيه الأنين والشكوى للناس، قال لربه: (مَسَّنِيَ الضُّرُّ)، هذه الجملة الهادية، أي أصاب نفسي وحسِّي، قال ذلك طالبا رفع الضرر، فقال: (وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) لم يطلب من الله بصريح اللفظ، ولكنه ذكر حاله وكفى، وهو بها عليم، وإن ذكر الرحمة ينبئ عن الطلب، وهو أن يرحمه سبحانه، ولكن لم تتعين الرحمة كاشفة عن الضر، فقد يكون الضر من الرحمة، ففي حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابه زيد في بلائه " (١) وصف الله تعالى بأنه (أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وأفعل التفضيل ليس على بابه لأنه لَا رحم يقارب رحمته، وإنما يفسر على أنه سبحانه وتعالى بلغ في رحمته أعلى درجاتها.


(١) رواه الإمام أحمد في مسنده (١٤٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>