للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن اختصاص شهر رمضان بالصوم؛ لأنه نزل فيه القرآن فيه تذكير بمبدأ الوحي، واحتفال بأكبر خير نزل في الأرض وهو بعث النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه نور الأرض وإشراقها، والاحتفال به احتفال بنعمة الهداية، ونعمة الخروج من الظلمات إلى النور، ونعمة إرسال نبي الرحمة، فقد قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).

ولقد ذكر فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير ما خلاصته: إنه في شهر رمضان نزلت هداية الله تعالى من السماء إلى الأرض فناسب ذلك أن يفرض فيه الصوم؛ لأن الصوم فبما فيه من إمساك عن شهوتي البطن والفرج، وفيه علو من الأرض إلى السماء بالتجرد الروحي الذي كان في الصوم، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الشهر الذي هو احتفال بذكرى البعث المحمدي: " إن الله تبارك وتعالى فرض عليكم صيام رمضان، وسننت لكم قيامه، فمن صامه وقامه احتسابا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه " (١).

وقد وصف الله تعالى القرآن بأنه هدى للناس، فقال: (هُدًى لِّلنَّاسِ) أي حال كونه هاديا للناس؛ لأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، وهو معجزة الله تعالى الكبرى وهو بهذا هداية وتوجيه إلى مقام الرسالة المحمدية، وهو مع ذلك فيه آياته البينات؛ ولذا قال تعالى: (وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى) أي أن آياته بينات واضحة من الهدى وهو الشريعة التي جاء بها، والفرقان أي الأمر الفارق بين الحق والباطل، والظلم والعدل والشورى والاستبداد، والإصلاح والإفساد، وعمران الأرض وخرابها.

هذا شهر رمضان شهر البركات، ولقد بينه سبحانه وتعالى، والابتداء يرمز إلى الانتهاء فقال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ منْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وقد تكلمنا في أعذار المرض والسفر والعجز في الآيات السابقة.


(١) رواه - عن عبد الرحمن بن عوف - النسائي: الصيام (٢١٨٠) واللفظ له، وأحمد في مسند العشرة (١٥٧٢)، وابن ماجه: إقامة الصلاة والسنة فيها (١٣١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>