للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منسك لكل أمة واحد، وإذا كان اللَّه واحدًا أحدًا، فالمناسك كلها في ماضيها وحاضرها له سبحانه، وهو مبينها للماضين، كما بينها للحاضرين، وجعل منسك أمة خاتم النبيين هي مكة المكرمة التي بها البيت العتيق، أول بيت وضع للناس بمكة المكرمة.

و" الفاء " في قوله تعالى: (فَإلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) هي فاء الإفصاح؛ لأنها تفصح عن شرط مقدر، إذ المعنى إذا كان لكل أمة منسك فاللَّه الذي شرع المناسك واحد، وكلها لعبادته والتقرب إليه سبحانه وتعالى، كذلك كان منسككم، وكان للماضين مناسك شرعها (فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)، " الفاء " عاطفة، (أَسْلِمُوا)، أي أذعنوا، وأطيعوا متطامنين غير متمردين، ولا متطاولين ولا مستطيلين على أحد، ولذا قال تعالى: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ) بالثواب الجزيل والنعيم المقيم، ورضوان اللَّه تعالى، وهو أكبر الجزاء، فرضا الخالق بديع السماوات والأرض غاية أهل الإيمان العليا التي هي فوق كل مبتغى.

والمخبت هو المتطامن المتواضع الذي لَا يتعالى، ولا يستطيل على أحد، وقد قال الراغب الأصفهاني في مادة خبت: " الخَبْتُ المطمئن من الأرض، وأخبت الرجل قصد الخبت أو نزله نحو أسهل وأنجد، ثم استعمل الإخبات استعمال اللين والتواضع، (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)، أي: المتواضعين، فالتواضع سمة المؤمنين، والغطرسة سمة الكافرين، والذين لم يشرب قلوبهم حب الإيمان، وهم ليسوا أذلاء، بل هم الأعزاء، ولقد قال محمد - صلى الله عليه وسلم -: " مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ منْ مَال، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزا. وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ لِلّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ " (١).

وقد وصف اللَّه تعالى المخبتين الذين بشرهم سبحانه وتعالى بقوله:


(١) رواه مسلم (٦٥٤٤)، وقد سبق تخريجه.
(الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>