للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك تخريج آخر لقوله تعالى: (وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لتَأكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بالإِثْم) بأن المراد بالإدلاء بها الخصومة بشأنها، والترافع في أمرها، وأنت تعلم أنك آخذها بغير حق، ولكن لَا حجة لخصمك على أن ما في يدك سلطانك عليه بالباطل، ولقد قال في ذلك الحافظ ابن كثير عن ابن عباس رضي الله عنهما هذه الآية: (وَتُدلوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) في الرجل يكون عنده مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويجاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه.

فهؤلاء رشوا من هو في منصب القضاء، ولكن يضله ليأكل مقدارا من أموال الناس بالإثم، فكلمة فريق معناها مقدار قطعه من مال الناس، وهو يعلم أنه إثم.

ومن هؤلاء من يلحن بالحجة لضل الحاكم، وقد روت أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ألا إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار " (١).

هذان تخريجان لمعنى النص الكريم (وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ) وإن الإدلاء لتحويل الحكام عن الحكم يكون بسحت من المال يقدم لحكام السوء، فيحولهم عن الحق إلى الباطل، وإما بحجة براقة، أو نقصان في دليل الخصم يتحولون به مخطئين من الحق إلى الباطل، ويصح الجمع بين التخريجين إذ لَا معارضة بينهما. والحكام هم المنفذون للأحكام.

* * *


(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: الأحكام - موعظة الإمام للخصوم (٦٦٣٤)، ومسلم: الأقضية: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة (٣٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>