للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولذلك لما سألوا هذه الأسئلة التي لَا تتعلق بعلم الدين صرف الله تعالى نظرهم، وأخذهم إلى الناحية الدينية التي يجب أن يعرفوها ويدركوها، فقال تعالى: (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) وهذا لفت لهم إلى أن الواجب أن يسألوا عن فوائدها في الدين والمعاملات، وهذا يقال عنه في علوم البلاغة الأسلوب الحكيم، وذلك هو أن يكون السؤال في غير موضعه فيجيب المسئول عن أمر آخر هو الذي ينبغي أن يكون السؤال فيه، ومن ذلك في القرآن الكريم: (يَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ. . .)، فيجيبهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر ربه: (قُلْ مَا أَنفقتم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ. . .)، إلى أخر الآية الكريمة، وكذلك هنا سألوا النبي عن الأهلة عن كونها، وبُدُوِّها للناظر صغيرة ثم تكبر فأمر الله تعالى نبيه بأن يقول: (هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ).

مواقيت للناس في معاملاتهم، وفي بيوعهم وفي ديونهم المؤجلة وإجاراتهم، ومزارعاتهم، ومساقاتهم وغير ذلك مما يجري، وفيها تتبين مواقيت الحج، (الْحَجُّ أَشْهُرٌ معْلُومَاتٌ. . .)، وبها تعين أوقات المناسك، ويضاف إلى ذلك مواقيت الصيام، إلى آخر ما هو معلوم في الدين وأعراف الناس.

وجمع في الآية الأهلة وهي هلال واحد في كل الأوقات والشهور، ولكن لتغير حاله من ضمور فاتساع حتى يصير بدرًا، ثم يصير كالعرجون القديم عدت هذه الصور أهلة، وإن كانت الحقيقة واحدة، والتغير في المنظر بسبب توسط الأرض بين الشمس والقمر في دورانها حولها.

والقمر حساب يدل العرب في صفو الصحراء على أيام الشهر، ولقد قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ. . .).

ولقد بين سبحانه وتعالى أن الأمور يجب أن توضع في مواضعها، وأن يعلم أن البر هو التقوى، وليس المظاهر والأشكال، كما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>